ومثل ذلك أيضا قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ البقرة: ٢٤٣. فهؤلاء لم تفدهم حركة الهروب الجماعية من الموت، الذي تحقّق بفعل الأمر «موتوا» فانطبعت به صورة الموتى الجماعية، لتحقيق الاعتبار، وحذف من التعبير «فماتوا» لأنّ السياق يدلّ على ذلك في قوله: ثُمَّ أَحْياهُمْ.
فالقصة حين تريد التأثير بالأحداث، تخفي حينئذ أسماء الأشخاص غالبا، لتحقيق التأثير الديني في العظة والاعتبار من تصوير القصة.
وحين تهدف القصة إلى تصوير تاريخ الرسل، وموقف الناس منهم، فإنها غالبا تذكر أسماء الأشخاص كما رأينا في قصة نوح، وإبراهيم، وموسى ويوسف وغيرهم.
ولكن التركيز لا يكون على الشخصيات لذواتهم، وإنما، لتصوير أفكار الدعوة، وما لاقاه الرسل من تكذيب أقوامهم، وهذا ينسجم مع الهدف الديني للقصة القرآنية.
والشخصيات في القصة القرآنية، تتّحد في الدعوة إلى التوحيد، ونبذ عبادة غير الله حتى تحقق القصة أغراضها الدينية في التأكيد على وحدة الرسل، والديانات السماوية والشخصية في القصة مرتبطة بالأحداث، فإذا طالت القصة، وكثرت أحداثها، اتضحت معالم الشخصية بصورة أكبر، وإذا قصرت القصة، وقلّت أحداثها فإن الأمر يكون عكس ما قلناه.
فشخصية موسى واضحة المعالم والسمات، تتمحور حول شدّة بأسه وقوته. وقد رسم الله سبحانه هذه الملامح في قوله: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ القصص: ١٥، وهذه السمة نراها أيضا حين أخذ برأس أخيه هارون، وشدّه بعنف وقوة وغضب، كما نراها أيضا في صحبته للرجل الصالح، فلم ينتظر أن يخبره