للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمتخاذل يبطئ عن الخروج إلى الجهاد، وربّما يبطّئ غيره أيضا، لأنّه يؤثر السلامة، وينتظر نتيجة المعركة. فإن رأى هزيمة المسلمين، عدّ نفسه محظوظا في تقاعسه، وإن رأى أنهم انتصروا راح يطلق الأمنيات كي يفوز بالغنائم.

والصورة ترسم حركة المتخاذل من خلال جرس الكلمة الشديد المتعثر لَيُبَطِّئَنَّ فهي ترسم حركة التثاقل الحسية بكل التواءاتها وعثراتها، وهذه الحركة الحسية، تعبر عن حالة نفسية مريضة، تؤثر السلامة، وترغب في الغنيمة في الوقت نفسه.

وهناك نموذج من الناس ينظر إلى الدين من خلال الربح والخسارة، يقول الله تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الحج: ١١.

فهذا النموذج يمسك بطرف من الدين، ولا يأخذه كلّه، فهو يعبد الله وكأنّه على حرف أي «على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه» كما يقول الزمخشري «١٠». فإن وجد أن الدين يجلب له المنفعة فرح واطمأنّ.

وإن أصابه ابتلاء في الدين، ارتدّ منقلبا على وجهه، لأنه غير متمكّن منه ولا ثابت عليه.

«والتعبير القرآني يصوّره في عبادته لله على (حرف) غير متمكن من العقيدة ولا متثبت في العبادة، يصوّره في حركة جسدية متأرجحة قابلة للسقوط عند الدفعة الأولى، ومن ثم ينقلب على وجهه عند مسّ الفتنة، ووقفته المتأرجحة تمهّد من قبل لهذا الانقلاب» «١١».

وصنف آخر من الناس متكبّر متعجرف، ترسمه الصورة في نموذج متكرر، يقول تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ، ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ الحج: ٨ - ٩.

وصورة العجرفة الممقوتة مرسومة بحركة ثانِيَ عِطْفِهِ مائل مزورّ بجنبه عن الآخرين وهذه العجرفة تدفعه إلى الجدال، لا عن بينة وعلم بل عن جهل، فهو يتعالى بهذه الصورة الحسية ليغطي جهله وغباءه، وقصور فهمه.

وحركة العجرفة المتمثّلة في ثاني عطفه، نراها مكرّرة في هذا النموذج، وهي من أبرز


(١٠) الكشاف: ٣/ ٧.
(١١) في ظلال القرآن: ٤/ ٢٤١٢.

<<  <   >  >>