للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ النساء: ١٤٢ - ١٤٣.

فهذا النموذج مخادع، يقوم إلى الصلاة رياء، ويتضح الشعور الداخلي هذا، في حركة الكسل والتباطؤ، إذا قام إلى الصلاة. فالسمة البارزة لهذا النموذج هي التلوّن بكل لون، حسب الموقف الذي هو فيه، أو الظرف المحيط به، فهو متذبذب في مواقفه وأقواله وسلوكه، لا يثبت على رأي أو مبدأ، لجبنه، وخواء فكره وروحه، وقد يكون هذا النموذج، فصيح اللسان، بليغ الكلام، إن تكلم في التقوى والإيمان، ولكنّ باطنه خلاف ذلك، يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ، وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ البقرة: ٢٠٤ - ٢٠٦.

فهذا النموذج يتناقض ظاهره مع باطنه، فهو يجيد الكلام، ويحسن سبكه وحبكه، ليؤثّر في الناس، ويتظاهر بالطيب والأخلاق والإيمان، ولكنّه في حقيقته ألدّ الخصام. فلو وجد فرصة سانحة لأفسد أهل الأرض، وأهلك كل بذور الخير في الأجيال اللاحقة، وهذا ما يوحي به التعبير ب «أهلك الحرث والنسل» وهذا يدلّ على سوء باطنه، وكثرة شروره، وخطورة دوره في المجتمع الإسلامي وزيادة في توضيح صورته وإبطال ادعائه، فإن هذا النموذج لا يقبل النصح والتوجيه، لأنه يرى نفسه أكبر من ذلك، فهو مدّع أيضا بالإضافة إلى أنه متناقض.

وتوضع عاقبة هذا النموذج بعد رسم ملامحه، للتحذير منه، والتنفير من هذه الصفات «فحسبه جهنم وبئس المهاد» ونموذج النفاق ضعيف الرأي، لا يتحمّل المسئولية في الالتزام بمبدإ أو رأي، يقول تعالى في وصف هذا النموذج: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ التوبة: ١٢٧.

فهو حين يرى الحقّ في الآيات المنزلة، ينسلّ في حركة خفية، وهيئة مثيرة للريبة، وتبادل النظرات مع أقرانه، بإشارات مفهومة بينهم، وخرجوا كلّهم هاربين بصمت وحذر.

ونموذج المتخاذل عن الجهاد، يرسمه القرآن الكريم بقوله: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً، وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ

مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً

النساء: ٧٢ - ٧٣.

<<  <   >  >>