للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثل الأول مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ .. البقرة: ١٧ - ١٨ «٨». وحركتهم المضطربة المتذبذبة بين المؤمنين والكافرين في المثل الثاني أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ... البقرة: ١٩.

فبالإضافة إلى ظلمة نفوسهم، وحركتهم المضطربة في المجتمع، هناك صفة أخرى لهم، هي «الجبن» والجبن صفة ذميمة، تفسّر أسباب مواقفهم الملتوية، ونفوسهم المتلوّنة، التي لا تثبت على مبدأ أو رأي.

فهذا النموذج، ظاهره يعجب، ويخدع، وباطنه جبان، يقول تعالى فيهم: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ المنافقون: ٤.

ونموذج المنافقين مثال للبلاهة والخوف، وعدم الانتفاع منه، ويتمثّل هذا النموذج في الأجسام الضخمة، التي تعجب في مظهرها الخارجي، ولكنها في حقيقتها خالية من الروح، وأيّ مضمون مفيد، كذلك يتمثّل في الأقوال المنمّقة، التي تسمع وتطرب، ولكنها لا تحتوي على أساس ترتكز عليه.

فالمنافقون في المجتمع أشبه بالأخشاب المسندة إلى جدار، كالتماثيل بلا حركة ولا موقف، لأن نفوسهم مهزوزة، يحسبون كل صيحة عليهم، تفضحهم وتكشف سرّهم.

ويلاحظ دقة التصوير في قوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ للدلالة على عدم الانتفاع بهذا النموذج. يقول الزمخشري في ذلك: «فإن قلت ما معنى قوله «كأنهم خشب مسندة؟ قلت شبّهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبّهوا به في عدم الانتفاع» «٩».

وصورة أخرى لهذا النموذج، تتمثّل في التلوّن بكل لون، حسب الظروف والمواقف. يقول تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ


(٨) انظر الفصل الثاني من هذا الكتاب، فيه توضيح لحقيقة المنافقين.
(٩) الكشاف: ٤/ ١٠٩.

<<  <   >  >>