ولكنّ هذه الصورة الجماعية للكافرين، ليست متّحدة في داخل صفوفها، وإن اتّحدت في حركتها الخارجية في طريق الكفر، فهم أحزاب وجماعات، متناحرة، كل حزب بما لديهم فرحون.
وهذه صورة حيّة، لأهل الكفر، جماعات، وأحزابا، يرسمها التعبير القرآني، فيجعلها نماذج مكررة في كل زمان ومكان، فقد تنازع هؤلاء الأمر بينهم حتى مزّقوه تمزيقا، ثم مضى كل حزب بالقطعة التي مزّقها بيده، فرحا بها، لا يفكر بما فعله من تمزيق الأمر الواحد، لأنه أغلق تفكيره في غمرة شعور الفرح الطافح على كل شيء.
هذا هو نموذج مكرّر لجماعات الكفر، وما تقوم به من أدوار في التمزيق والتفريق، ترسمه الصورة القرآنية بحركة حسية خارجية، تتمثّل في تمزيق الأمر زبرا، كما ترسم المشاعر الداخلية بكلمات قلائل كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فتغدو هذه السمات للنموذج واضحة متجدّدة في كل زمان ومكان.
فالدنيا في نظر الكافر هي الأساس، لذا فهي مغرية، ومزيّنة في عينيه، وهي المقياس لكلّ الأشياء والتفاضل بين الناس، فهو متعلّق بها، لأنها فرصته الوحيدة، ويتجاوز ذلك إلى السخرية من المؤمنين، الذين يختلفون معه في النظر إليها، فالمؤمنون يزنون الأمور بميزان الإيمان، الذي هو المعيار الباقي، لهذا فإنهم يكونون الأعلى يوم القيامة.
أمّا نموذج النفاق، فهو مصوّر أيضا، في أوائل سورة البقرة، لبيان سماته الأساسية من أول القرآن، حتى تكون أساسا، لبقية صفاته الأخرى المرسومة في بقية سور القرآن.
وصورة نموذج النفاق وردت أطول من صورة نموذج المؤمن والكافر، لأنّ صورة المؤمن صافية واضحة، مستقيمة، محدّدة السمات، وصورة الكافر مظلمة معتمة في
اتجاهها.
أما صورة المنافقين ففيها التواء وغموض، فهي بحاجة إلى توضيح أكثر، حتى تعرف سماتها المميّزة لها، فقد رأينا صورتهم في فصل «الأمثال المصورة» فد عطّلوا حواسّهم في