للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يوضّح أن هذا النموذج من الناس لا جدوى من هدايته، لأنه غير قابل للهداية، وغير صالح لها، لأنه فقد أدوات استقبال الهدى في التعقل والاستماع، والعلّة في ذلك كلّه هي اتّباع الهوى، والخضوع له. وحين يتخذ الإنسان الهوى إلها، فإن نفسه تتفلّت من الموازين الضابطة لشهوات النفس، بل إنها تخضع لهذه الشهوات، وتتخذها إلها معبودا.

والتعبير القرآني يعتبر هذا النموذج أحطّ من الأنعام، لأن الأنعام تؤدي وظائفها الغريزية التي أودعها الله فيها، بينما الإنسان يعطّل وظائف حياته التي زوّده الله بها.

وهناك نموذج آخر لا يكتفي باتباع الهوى بل يصدّ غيره عن الهدى والإيمان، يقول الله تعالى فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ لقمان: ٦ «٧».

وهذا النموذج موجود في كل جيل أيضا، يتّخذ أساليب عدة للصدّ عن سبيل الله، ويفني عمره ووقته وماله في سبيل إضلال غيره، ويسميها القرآن «لهوا» تهوينا من شأنها، وتحقيرا لها.

ثم يصوّر القرآن الكريم، هذه النماذج للكافرين، في صورة جماعية ضمن مشهد واحد، يجمعهم جميعا يقول تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً آل عمران: ١٧٦.

وهذا المشهد حيّ شاخص، يصوّر حركة الكافرين، وهم مسرعون في طريق الكفر، ماضون فيه، وكأنّهم يسعون إلى غاية، يريدون أن يصلوا إليها، فهم في حلبة السباق، يسرع كلّ منهم قبل الآخر، حتى يصل إلى النهاية قبل غيره، ولك أن تتأمل هذه الجموع تتسارع، وتتدافع في هذا الطريق، وكأنّها تأمل أن تحصل على جائزة في نهاية السباق.

وهذه الحركة الحسية السريعة، تعبر عن حركة نفسية في داخل الصدور، ولكنّ القرآن الكريم، يضع صورة مقابلة، توقف الحركة السريعة في طريق الكفر إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً فتتلاشى صورة الكفر بما فيها من سرعة واندفاع، لهزالها وضعفها أمام الصورة المقابلة لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً.


(٧) هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث- كما ورد في بعض الروايات- وكان يشتري أساطير الفرس ثم يجلس في طريق الذاهبين لسماع القرآن محاولا جذبهم إليه وصدّهم عن ذكر الله.

<<  <   >  >>