للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأينا في نموذج المؤمن، تفتّح حواسه، وإيمانه بالله سبحانه، وباليوم الآخر .. ولكنّ نموذج الكافر، قد عطّل حواسه، فتوقفت عنده وسائل المعرفة والإدراك، فلم يعد يدرك غاية وجوده في الحياة، أو يؤمن بربه، لأن أدوات الإدراك والمعرفة معطّلة. فالقلوب هنا مختومة فلا يصل الهدى إليها، والأبصار مطموسة فلا ترى النور، والأسماع مسدودة، فلا تسمع الحق.

ومن كان هذا حاله، فلا يرجى منه خير، ولا ينفع معه إنذار وتوجيه.

وهكذا يرتسم نموذج الكافر بصورته المظلمة الجامدة، ثم تتوالى صور الكافر في القرآن متفرّعة كلّها من هذا الأصل، الذي تنبثق منه لاستكمال صورته بكل تفصيلاتها وجزئياتها.

وهذا كما قلنا يؤكّد نظام العلاقات بين الصور في الأسلوب القرآني. فنحن نجد صورة أخرى للكافرين مرسومة للتحقير في قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمد: ١٢.

وقد استحقّوا هذه الصورة المحقّرة لشأنهم، لأنهم عطّلوا أدوات المعرفة والإدراك لديهم، فلم يعد لهم إلا هذه الحياة المادية، في الطعام والشراب، التي هي أقرب إلى صورة الدواب منها إلى صورة الإنسان المكرّم بخصائصه الإنسانية المميزة له عن باقي المخلوقات. ويرسم القرآن الكريم نموذجا للكافر في قوله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ

هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ

الجاثية: ٢٣.

فهذا النموذج خاضع لهواه، منقاد له، خضوع العبد لمولاه، فلا يرى الأشياء إلا من خلال أهوائه ورغباته وشهواته، حتى استحوذ عليه هذا الهوى، فعطّل حواسه، فأصبحت مختومة، لا تدرك الحقائق كما هي.

وحين يتخذ الإنسان هواه إلها يخضع له، ويختم على حواسه فلا يدرك الأشياء، يستحق وصفه بالأنعام يقول تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا الفرقان: ٤٣ - ٤٤.

وفي تصوير هذا النموذج إضافة جديدة، وهي تصويرهم بالأنعام التي لا تعقل ولا تسمع،

<<  <   >  >>