للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهناك نموذج الكريم في قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر: ٩.

فهذا النموذج ينفق ويعطي، على الرغم من حاجته إلى ما ينفقه، ولكنه يؤثر غيره عليه، وهذه آفاق إنسانية من التجرد عن الذات في سبيل إنقاذ الآخرين.

وهناك بالمقابل نموذج الفقير المتعفّف، يقول تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً البقرة: ٢٧٣.

وهذا النموذج في الأصل للمهاجرين، ولكنّه ينطبق على أيّ نموذج آخر في كل زمان، تتوفّر فيه هذه الصفات المميّزة المرسومة لهذا النموذج، فهو الذي تمنعه كرامته من أن يسأل الناس، ويضطر إلى أن يتجمّل أمام الناس، حتى لا يظهر فقيرا محتاجا، فمظهره يدلّ على غناه، ولكنّ واقعه خلاف ذلك، والإنسان البصير يدرك الفقر من خلال قسمات الوجوه، التي لا يمكن إخفاؤها، والنموذج يحاول أيضا أن يخفيها عن الأعين، ويدفعها بكل ما يستطيع، حياء وتعففا عما في أيدي الناس.

وهناك نماذج كثيرة يرسمها القرآن لأناس طيبين، كرماء، شجعان، أتقياء، ومخلصين، وهي نماذج مرسومة للترغيب في الاقتداء بها.

وهناك نماذج أخرى لأناس فاسدين، وشريرين، يتمثّلون في نموذج «الكافر»، وهو نموذج يرسمه القرآن، ليقابل نموذج المؤمن، لتوضيح الفروق بينهما.

وهذه الطريقة التصويرية رأيناها أيضا في الفصول السابقة، التي أكّدت أيضا على قضية الإيمان والكفر، بصور مختلفة، وأساليب شتى، وهذا التنويع في التصوير، يزيد قضية الإيمان والكفر وضوحا وجلاء، ولكنّها هنا تعرض في صورة نماذج بشرية أيضا، لاستيفاء هذه القضية الأساسية من جميع جوانبها.

يقول الله تعالى في وصف نموذج الكافر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة: ٦ - ٧.

فهذا النموذج ترسم ملامحه الأساسية، بعد نموذج المؤمن في أول سورة البقرة، لتتّضح الفوارق الجوهرية بين النموذجين من أول النص القرآني.

<<  <   >  >>