للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخائن يماطل في ردّ الحقوق إلى أصحابها، بل إنه يفلسف سلوكه الذميم بأن الله أباح له هذا التعامل مع الآخرين.

وكلمة «قنطار» توحي بالكثرة والضخامة، لتوضيح أمانة النموذج الأول، وكلمة «دينار» توحي بالقلّة، لتقابل الكثرة في النموذج الأول، وتوضّح الفارق بين النموذجين، وقوله: ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً تؤكّد مماطلة النموذج الثاني وخيانته، لأن كلمة قائِماً توحي بالملازمة الشديدة له، ثم زاد هذه الملازمة توضيحا وتأكيدا بتقديم الجار والمجرور على متعلقه عَلَيْهِ قائِماً.

ونموذج آخر لأهل الكتاب، هو نموذج المخادع. يقول الله تعالى فيه: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ آل عمران: ٧٢.

وهناك أيضا نموذج الحريص على الحياة الدنيا، متمسك بها بأيّ شكل من الأشكال يقول تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ البقرة: ٩٦.

وهذا النموذج في الأساس ينطبق على اليهود، الذين يحرصون على أيّ حياة كانت، وتنكير «حياة» هنا يفيد التحقير. فهم حريصون على حياة كريمة أو ذليلة، المهم أن تكون حياة فحسب، وينطبق هذا الوصف أيضا على بعض الناس، في حرصهم على حياة بأيّ شكل كان، وهذا الصنف فيه طبيعة اليهود، والحرص على حياة، يدفع إلى التضحية بالمبادئ والأخلاق أحيانا في سبيل التمسك بأي نوع من الحياة.

ونتيجة هذا الحرص، يتمنّى هذا النموذج الأعمار الطويلة، دون أن يفكر، فيما عمل في هذه الحياة، وما حصاده منها، لذلك فإنّ امتداد أعمار هذا النموذج لن تفيده في زحزحته من العذاب، وجرس كلمة «الزحزحة» يرسم صورة النموذج وهو يحاول الزحزحة من العذاب المحيط به.

وكما رسمت الصورة نماذج العقيدة، رسمت أيضا نماذج الجنس البشري كلّه، بما فيه من خصائص فالإنسان مفطور على الإيمان، ولكنّ الشهوات تحجب هذه الفطرة، ولا تنكشف هذه الفطرة على حقيقتها إلا في الشدّة. يقول تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ

<<  <   >  >>