للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تسع هؤلاء الناس منذ ملايين السنين.

كذلك هناك، عالم الموت، وعالم الآخرة، ووجود الإنسان يمتدّ في العالمين، وهذا كلّه من أنباء الغيب المحجوب عن الإنسان، ولكن القرآن الكريم، يصوّر هذه العوالم، وحياة الإنسان فيها تصويرا يقرّبها من ذهن الإنسان، حتى لا يرهقه في التخمين والخيال، فأخبرنا أن القوانين التي تحكم عالم الدنيا والآخرة مختلفة، من حيث الزمان والمكان، والطعام والشراب وغير ذلك.

فالقوانين التي وضعها الله للدنيا، تنتهي بزوالها، لتبدأ قوانين إلهية أخرى، تحكم مسيرة الحياة والإنسان والكون، تتناسب مع العالم الآخر.

لهذا يصعب على الإنسان أن يتصور ذلك العالم الأخروي، إلا من خلال تصوير القرآن له، لأن الإنسان محكوم بقوانين الدنيا المحدودة، فلا يقوى المحدود على تصور المطلق، كما لا يحتمل الإنسان المحدود تصور المطلق، لأنه فوق طاقاته، واستعداداته، وما عليه إلا التسليم لله في الغيب المجهول، عصمة للعقل البشري من التخبط في التصورات بلا طائل، ولكن العقل البشري، يدرك أنه لا بدّ من نهاية للحياة الدنيا، ولا بدّ لهذه النهاية من بداية أخرى، لأنه يستحيل أن يقبل العقل أن تكون حياة الإنسان كحياة بقية الحيوانات والحشرات، تنتهي بالموت فقط، وإلّا ما معنى تميّز الإنسان عنها بالعقل، والقدرة على اختيار طريقه والقدرة على الإبداع وتعمير الحياة.

فمن مقتضيات تميّزه في الدنيا، أن يكون موته أيضا متميّزا في البعث والنشور، حتى تبقى فكرة التميّز للجنس البشري، مقبولة عقليا.

كما أن العقل لا يقبل أن تنتهي حياة البشر نهاية متساوية في الموت والفناء، دون أن يكون هناك قصاص من الظالمين والأشرار، فالعدل يقتضي أن تكون هناك حياة أخرى لإقامة الموازين، لمحاسبة البشر، على ضوء الاختيار الممنوح للإنسان، فالاختيار يقتضي المسئولية، والمسئولية تتطلب الحساب والجزاء.

فالصورة القرآنية، تقدم لنا إجابات وافية لكل الأسئلة الفطرية، التي تلحّ على ذهن الإنسان، من أين جاء؟ وإلى أين ينتهي؟ وتعرض ذلك في مشاهد خلق الإنسان، وحياته، ومشاهد موته، ثم مشاهده في يوم القيامة. إمّا في الجنة وإمّا في النار.

<<  <   >  >>