للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا ترتسم صورة الإنسان واضحة بسيطة، منذ خلقه وحتى نهايته، وامتداد حياته في عالم الجزاء والحساب، وهذا التصوّر يضفي على حياة الإنسان أملا ممتدا، وحيوية فائضة، وعملا جادا مثمرا، انتظارا للجزاء في عالم الخلود والبقاء.

ومن رحمة الله سبحانه، أن أرى الإنسان، حياته الممتدة في العالم الآخر في مشاهد مصوّرة، يرى فيها نفسه وعمله معا، فالمؤمن الذي يسير على منهج الله، يرى مشهده في الجنة، فيشعر بالراحة والطمأنينة لنهاية حياته المرسومة في مشهد الجنة. أما الكافر الذي حارب الله ورسوله، فيرى مشهده في النار فيعرف عقوبة تكذيبه، وكفره.

وبهذه المشاهد المصورة، تتحقّق العدالة الإلهية، لأنّ الله سبحانه عرّف الإنسان وهو ما زال في الدنيا، مشهد حياته في الآخرة، وما ينتظره من ثواب أو عقاب، لكي يختار طريقه على بيّنة ووضوح.

ومن أجل تحقيق هذا الغرض الديني، فإن المشاهد المصوّرة للعالم الآخر، تعرض متصلة بالعالم الدنيوي دون فاصل في التعبير والتصوير، للمواقف الإنسانية، والانفعالات البشرية.

فيبدأ المشهد غالبا في الدنيا، وينتهي بتصوير مشهد في الآخرة، أو العكس، حتى يتحقّق الأثر النفسي، فيشعر الإنسان بقرب الآخرة، من خلال هذا الاتصال بين المشهدين في التصوير.

يقول تعالى عن استعداد الإنسان للهداية أو الضلالة: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً، إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً، إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ... الإنسان: ٤ - ٥.

فالسياق يتحدث عن استعداد الإنسان لشكر الله أو للكفر به، وبمناسبة الحديث عن كفره، ينتقل السياق مباشرة إلى مشهد من مشاهد القيامة، لبيان عاقبة الكفر وهي تقييد الكافرين بالسلاسل والأغلال، ورميهم في السعير. ثم استعرض مشهد الأبرار في النعيم وأطال في تصويره.

وهكذا تترابط الصور، وتتواصل في السياق الواحد، كما يتواصل العالمين المحسوس وغير المحسوس أيضا، تتفاعل الصور كلّها في السياق، لتوليد الأثر المطلوب في اتصال العالمين، واتصال الحياتين، هذا الاتصال يتمّ فجأة بلا مقدمات، ولا فواصل، حتى يبقى

<<  <   >  >>