للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان مستعدا دائما لهذا الانتقال المفاجئ، ويحسب حسابه على الدوام.

وأحيانا يكون المشهد من مشاهد القيامة، ولكنه ينتقل فجأة إلى مشهد في الدنيا، لربط العالمين أيضا وربط النتيجة بأسبابها الموصلة إليها. يقول تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ، كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ .. الذاريات: ١٥ - ١٨.

وغالبا تعرض مشاهد النعيم، ومشاهد العذاب، متقابلة، وهذه السمة البارزة في مشاهد القيامة، حتى تتمّ المقارنة بينهما، لإيضاح الفروق في الجزاء بحسب اختلاف الأعمال في الدنيا.

وهذا التقابل يهدف إلى الترغيب والترهيب، يقول تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ... الكهف: ٢٩ - ٣١.

ونلاحظ هنا الفوارق بين حياة الظالمين، وحياة المؤمنين في الآخرة، وهي تعدّ امتدادا للفوارق بينهما في الدنيا، فكرا وسلوكا وشعورا.

فالظالمون كانوا في الدنيا في نعيم وعيش رغيد، وهم في الآخرة يحيط بهم العذاب الحسي، في شيّ الوجوه بالنار، وشرب الحميم الغسّاق الذي يحرق البطون والحلوق، عقابا على أفعالهم في الدنيا.

وتختلف حياة المؤمنين في الآخرة، فهم في ألوان من النعيم المحسوس في جنات وأنهار، وألوان من الشراب اللذيذ ...

وتحفل هذه المشاهد بالصور الحسية المتقابلة في السياق، والمتفاعلة فيما بينها للتأثير في الحس والشعور.

وتدور هذه الصور الحسية للنعيم والعذاب، حول الطعام والشراب واللباس والمسكن، والمجلس، والمناخ، والأصحاب وغير ذلك مما هو مألوف لدى الإنسان، لتكون هذه الصور للنعيم أو العذاب أبلغ تأثيرا في النفس، وأقرب إلى التصور والخيال الإنساني.

فهي صور حسية تشمل الصور اللمسية، والذوقية، والبصرية، والسمعية، والشميّة،

<<  <   >  >>