للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصور النفسية أيضا ...

فتصوير مشاهد القيامة، يشمل الحس والنفس، ليكون التأثير فيهما قويا أيضا، كما سنرى ذلك في استعراضنا لهذه المشاهد في هذا الفصل.

كما نلاحظ التدرّج في تصوير المشاهد، وارتباط هذه المشاهد المصوّرة بعضها في بعض، ضمن نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية. فتبدأ المشاهد برسم أهوال.

يوم القيامة، وموعدها المفاجئ والنفخ في الصور، والانقلابات الكونية الهائلة في الأرض والسماء، وصور الحشر، والحساب، ثم الجنة والنار وما فيهما من نعيم أو عذاب. حتى تكتمل صورة القيامة في الأذهان بوضوح وجلاء.

فهذه المشاهد مترابطة ومتناسقة في التعبير والتصوير، كي تحقّق الغرض الديني، وتأثيره في النفوس وهي طويلة ومفصّلة، لتعميق الإيمان باليوم الآخر، وإقراره في العقول والنفوس، كما تتسم بالتهويل والرعب، لتحقيق هذا التأثير الديني.

يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الحج: ١ - ٢.

ويبدأ المشهد برسم حركة الزلزلة العنيفة للساعة، المؤثّرة في النفوس البشرية، حتى إنّ حركة الناس تضطرب من قوة الزلزلة وهولها، ويصور هذا الهول المرعب المؤثر، في المرضعات والحوامل، وترنّح الناس. فالمرضعة ذاهلة عن رضيعها، والحامل واضعة حملها، والناس يبدون كالسكارى، ترنّحا وتمايلا.

وقد عبّر عن الذهول، وانقطاع الروابط القوية في ذلك المشهد، باختيار صورة المرضعة الذاهلة عن رضيعها، والحامل التي تضع حملها، من عنف الحركة، وهي زلزلة حسية كونية، تعقبها زلزلة نفسية، مرسومة في هذه الصور التي بينّاها.

حتى إنّ الولدان يبدون شيبا من أهوال القيامة: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً المزمل: ١٧.

والهول هذا يخفض أقواما ويرفع آخرين: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ، لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ، خافِضَةٌ رافِعَةٌ الواقعة: ١ - ٣.

<<  <   >  >>