للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن صورة الهول مرسومة في أسماء هذا اليوم الواردة في القرآن، وهذه الأسماء هي في حقيقتها صفات لذلك اليوم، فكلّ اسم يرسم بجرسه صورة من أهواله وأحواله.

ف «القيامة» تصوّر قيام الناس من القبور و «الساعة» تصوّر قربها الزمني، وكأنها هذا الوقت المحدود و «البعث» تصوّر بعث الناس من جديد، وما يرافق ذلك من حركات وهيئات وذهول و «القارعة» لأنها تقرع القلوب والآذان بالأهوال و «الصاخّة» تصخّ الآذان من شدّة وقعها وتأثيرها، «الطامّة» تطمّ الأشياء والمخلوقات جميعا وتعمّهم، وتعلوهم بأهوالها وأحوالها.

وكذلك بقية أسماء القيامة مثل: «الواقعة، والغاشية، والحاقة، والحساب، والفصل ... »

إلخ.

فهذه الأسماء أو الصفات الكثيرة تدلّ على عظم شأن ذلك اليوم، يقول القرطبي: «وكلّ ما عظم شأنه تعددت صفاته، وكثرت أسماؤه ... فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها، سمّاها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة» «١».

وتبدأ الصورة برسم هولها من خلال حجب موعدها عن البشر، فهي مفاجأة لهم يقول تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها، إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها النازعات: ٤٢ - ٤٦.

فالصورة لهولها وضخامتها وأثرها، مرسومة بلفظ «مرساها» وكأنها سفينة قادمة، تسير في لجّة البحر المجهول، نحو مكان رسوّها ومستقرّها، وهذه الصورة متحركة مرسومة وهي قادمة، ولكنّ وصولها مجهول لنا، وهذا يضفي على الصورة ضخامة وهولا من خلال موعدها المجهول، وحركة القدوم السريعة في طريق كلّه أهوال، وأمواج واضطرابات.

واستخدام «أيّان» في السؤال عن موعدها، يزيد الصورة هولا وضخامة، وكذلك قوله:

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها. حتى الرسول صلّى الله عليه وآله لا يعرف موعدها أيضا.

ولكنّها تأتي مباغتة الناس، وبذلك يقترن الهول بالمباغتة، لتضخيم أثرها في النفوس.

فتبدو الدنيا قصيرة هزيلة إلى جانب صورتها الضخمة المباغتة: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها، فهذه الدنيا بكلّ ما فيها من أعمار مديدة، وأزمان وأحداث، ومتاع، هي بالقياس إليها عشية أو ضحاها، وكأنها جزء من نهار، وليست نهارا كاملا.


(١) اليوم الآخر: للدكتور عمر سليمان الأشقر. الجزء الثاني. ص ٣٠.

<<  <   >  >>