يقول الزمخشري في بيان إضافة الضحى إلى العشيّة:«فإن قلت: كيف صحّت إضافة الضحى إلى العشية؟
قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد، فإن قلت: فهلّا قيل: إلا عشيّة أو ضحى وما فائدة الإضافة؟ قلت: الدلالة على أن مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوما كاملا ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه، فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته فهو كقوله: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ الأحقاف: ٣٥» «٢».
ثم تمضي الصورة في رسم هولها، من حجب موعدها حتى على الرسول، إلى توضيح أثرها في وجوه الكافرين، الذين كذّبوا بها. يقول تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ الملك: ٢٤ - ٢٧.
وتتقابل صورتان في هذا السياق، صورة انتشار الخلق في الحياة، تعقبها صورة تجميع لهذا الخلق المنتشر، وترتسم آثار الإنكار للبعث في وجوه الكافرين، في مشهد
معروض في السياق، وكأنّه حاضر الآن، لأن الساعة بمقاييس الزمان المحدود، الذي يخضع له البشر غائبة، ولكنّها بالنسبة لله حاضرة واقعة، لأن علم الله فوق الزمان والمكان، وهو محيط بكل شيء، فمتى شاء، كشف الستار عنها فرأوها رأي العين، كما يرونها في تصوير هذا المشهد المقروء، بدون فاصل بين العالمين الدنيوي والأخروي.
كما ترسم الصورة أثرها في القلوب أيضا يقول تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ غافر: ١٨.
فهي آزفة، قريبة، وكأنّها زاحفة نحو الناس، وحين يرونها بأعينهم، ويرون أهوالها، يشتد خفقان القلوب، حتى تصل إلى الحلوق من شدة الاضطراب والخفقان، وهذه الصورة تعبّر عن شدة الكرب، ومنتهى الضيق، وغيظ النفوس، ويزيد هذه الصورة هولا ورعبا، تقطّع الروابط الاجتماعية، وانشغال الإنسان بنفسه عمّن سواه.
وتمضي الصورة القرآنية في رسم الأهوال، بتقطع الروابط الاجتماعية بين الناس، حتى إنّ الوالد ينسى ولده والابن أباه من شدة الأهوال: وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ