فالصاخّة بجرسها الشديد، الذي يصخّ الآذان، ترسم مشهدا مرعبا لذلك اليوم، نرى فيه حركة الفرار الجماعيّة، وتقطع الروابط الاجتماعية، وهذه الحركة تجسّم الحالة النفسية المضطربة والخائفة وتفكير الإنسان، بنجاته، وانشغاله بذلك عن أقرب الناس إليه.
ثم تستمر الصورة في رسم ملامح الوجوه. التي تدلّ على خفايا النفوس، فوجوه المؤمنين مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ عبس: ٣٨ - ٣٩، وبشر الوجوه وسرورها دليل على هدوء النفوس المؤمنة، واطمئنانها، وتقابلها صورة مغايرة لوجوه الكافرين عَلَيْها غَبَرَةٌ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ عبس: ٤٠ - ٤١، فهي وجوه منكسرة ذليلة، مغبّرة بالحزن والهمّ والحسرة.
وهكذا تتقابل الصور في السياق الواحد، لكشف الحقائق، وبيان الفروق بين الناس.
وتبدأ مشاهد القيامة، بمشهد النفخة في الصور، وهي صورة غيبيّة، تعرض في صورة حسية سمعية تصعق كلّ شيء فتميته، وتوقف حركته، وتنهي وجوده. وهي علامة على انتهاء العالم المحسوس عالم الدنيا، بكلّ ما فيه من متاع، ومخلوقات وقوانين فتنطبع في ذهن الإنسان من خلال هذه الصورة السمعية. فناء الحياة، وهلاك المخلوقات وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الرحمن: ٢٧.
ويبدأ بعد ذلك العالم الأخر، بقوانينه الجديدة التي وضعها الله سبحانه، تتناسب مع فكرة الخلود في الجنة أو النار.
وهذه الصورة، لا نعرف كيفيتها، ولا ما هو الصور، ولا ندرك مدى هذه النفخة، لأن القرآن الكريم لا يهتمّ بتصوير ماهيّة الأشياء، وإنما يهتمّ بتصوير آثارها، وما يترتب على ذلك من أحداث وأعمال. وهذه الطريقة في التصوير، تنسجم مع خصوصية النص القرآني، باعتباره كتاب هداية للبشر، قبل كلّ شيء. والنفخة تأتي مباغتة إيذانا بالعالم الآخر، والناس غافلون في الحياة الدنيا وما فيها من متاع، يقول تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً