والتصوير الفني يرسم هنا مشاهد متعددة، مترابطة في السياق، ومتفاعلة أيضا، لتحقيق الأثر الديني منها.
ويعرض القرآن مشهد المكذبين، وهم يتساءلون باستنكار وشكّ عن ذلك اليوم، وكأنّه مشهد حيّ حاضر من خلال الفعل المضارع «يقولون» على طريقة القرآن في إحياء المشاهد واستحضارها. وفجأة ينتقل السياق إلى مشهد الصيحة المباغتة لهم، وهم على هذه الحالة من الجدل والخصام والاستنكار، فنراهم في هذا المشهد أمواتا لا يتحركون، وصورة عجزهم في هذا المشهد، تقابل صورة استنكارهم، واعتزازهم بأنفسهم، فهم عاجزون بعد الصيحة حتى عن الرجوع إلى أهليهم، أو كتابة توصية لهم، وهذا الانتقال المفاجئ من مشهد الحياة إلى مشهد الفناء، يوحي بقرب الفناء ومباغتة الساعة لهم، وهم غافلون عنها، في الجدل والمخاصمة والشك.
وحتى لا يطول انطباع مشهد الفناء في الأذهان، فيعتقد هؤلاء، أنّ النهاية هذا الفناء، أعقبه بمشهد آخر متصل بالمشهد السابق، وهو مشهد الخروج من القبور، بعد النفخة الثانية في الصور.
ونراهم في مشهد الخروج من القبور في حيرة واضطراب، وصورتهم هنا تخالف صورتهم في المشهد الأول حين كانوا في الدنيا يجادلون ويخاصمون، فهم الآن يدعون على أنفسهم بالهلاك، لقد أيقنوا وقوع ما كانوا يكذّبون به، ورأوا أمامهم حقيقة الحساب، وصدق وعد الله. والسياق لا يترك سؤالهم بلا جواب مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا. وإنما يأتيهم الجواب المباشر هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ بدون فواصل بين الاستفهام والجواب، حتى ينطبع الجواب في الذهن، بعد ملامسة الحس والشعور بصورة الفناء، وصورة البعث من القبور.
ثم تأتي الصيحة الأخيرة للحشر والحساب، وتجميع الناس بعد الخروج في مشهد الإحضار للحساب وهم كارهون كما يوحي بذلك لفظ مُحْضَرُونَ، وهكذا تتواصل المشاهد