للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في النسق القرآني، وتترابط، لإيضاح الحقائق الدينية، وتحقيق الأثر النفسي. ويكتمل التصوير الفني بالمشهد الأخير. ضمن نظام العلاقات التعبيرية والفكرية، إذ بدأ التصوير بمشهد التكذيب، ثم نقل هؤلاء المكذبين إلى مشهد موتهم، ثم نقلهم سريعا إلى مشهد بعثهم من القبور، ثم أحضرهم بسرعة خاطفة للحشر وللحساب.

وقد يلجأ القرآن الكريم إلى تصوير ساعة الاحتضار قبل النفخة في الصور، ثم يتبعها بالمشاهد الأخرى المتصلة بها كقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ المؤمنون: ٩٩ - ١٠٣.

وتبدأ الصورة هنا برسم مشهد الاحتضار، لإبراز عجز الإنسان وضعفه في ساعة الموت، وإعلانه توبته بعد فوات الأوان، فيكون الجواب عليه ب «كلا» ردعا له وزجرا، لأن توبته جاءت متأخرة عن موعدها. ثم تمضي الصورة في رسمه بعد الموت وهو في عالم البرزخ الذي لا نعرف عنه شيئا سوى أنه فترة مكوثه في القبر إلى يوم البعث، وصورة البرزخ، مرعبة مخيفة، حين يتصور الإنسان نفسه في ظلمة القبر وحيدا، ينتظر موعد الخروج منه، للحساب والجزاء. ثم تستمر الصورة فترسم مشاهد القيامة، فتبدأ بالنفخة في الصور إيذانا بانتهاء عالم الدنيا، وبداية أهوال القيامة في الكون والإنسان، وتقطيع الروابط الاجتماعية المعروفة ويخيّم السكون على مشهد الوجود الإنساني وَلا يَتَساءَلُونَ، ثم تعرض مشاهد الحساب مجسّمة في صورة الميزان، على طريقة القرآن في التجسيم الفني، لتحقيق التأثير النفسي. وينقسم الناس حينذاك إلى مفلحين، وخاسرين، ولا ثالث لهما.

وتقترن أحداث كونية هائلة بالنفخة في الصور، كقوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ، وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ الحاقة: ١٣ - ١٦.

فالنفخة الواحدة، تجعل الأرض مدكوكة، والجبال كذلك، والسماء الضخمة واهية ضعيفة، وهنا نلاحظ تأثير الصورة السمعية المتمثّلة في النفخة، في الكتل والأحجام في المشاهد الكونية الضخمة، في السماء والأرض والجبال، وهذه الصور المرعبة تلقي في حس الإنسان

<<  <   >  >>