للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخوف والفزع حين يتصوّر حاله حين تحمل الأرض بما فيها ومن عليها، وتدكّ دكّة واحدة مع الجبال والسماء.

وهي صورة توحي بالأهوال والأحوال المرعبة في ذلك اليوم، كما توحي بقدرة الله المالكة للأرض والسماء، يحركها كيف يشاء، ويبرز الإنسان ضعيفا ضئيلا من خلال هذه المشاهد الكونية المدكوكة والواهية.

وترسم الصورة حركة الناس واضطرابهم في أثناء هذا المشهد الكوني المخيف، وبعد النفخة الثانية من القبور، وتجسّم هذا الاضطراب النفسي في حركة الأمواج الحسية الموحية بالتدافع والمدّ والجزر، أو الإقدام والإحجام. يقول تعالى: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ الكهف: ٩٩.

وبينما هم في هذا المشهد الهائج المائج، ينفخ في الصور للحشر والحساب وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً الكهف: ٩٩، ويبدو أن النفخة، صورة صوتية شديدة، ومؤثّرة في الحياة والكون والإنسان، وقد صور القرآن شدّتها وتأثيرها في أهل السماء وأهل الأرض معا. قال تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ النمل: ٨٧.

وأحيانا يعبّر عن تأثيرها بالصّعق، قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ الزمر: ٦٨.

ويعبر القرآن عن النفخة بالنقر في الناقور، قال تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ المدثر: ٨ - ٩، ويوحي النقر بالناقور بشدّة الصوت، وتردد صداه في الكون بقوة وعنف، ليلائم ذلك اليوم العسير، الذي تختنق فيه النفوس، وتبلغ فيه القلوب الحناجر.

فالصورة السمعية هنا توحي بالصدى المصاحب للصوت الشديد، وهذا يعني أن الصور مترابطة في رسم المشهد، ونقل تفصيلاته، وما يصاحبه من آثار في النفوس، وفي جنبات الكون أيضا. ويعبّر أيضا عن النفخة الأولى بالراجفة، والنفخة الثانية بالرادفة، يقول تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ، أَبْصارُها خاشِعَةٌ، يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ، أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً، قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ، فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ النازعات: ٦ - ١٤.

<<  <   >  >>