وقد وصفت النفخة الأولى بالراجفة، لأنّها تحدث في الأرض والجبال اضطرابا ورجفانا «٣».
ثم تمضي الصورة في بيان أثر الرادفة، وهي النفخة الثانية في الكافرين، فتلمس القلوب الواجفة، والأبصار الشاخصة من شدة الموقف، ثم تزيد من إحياء المشهد بالاعتماد على الحوار، فتدعهم يتكلمون عن أنفسهم، وتظهر حوارهم الشاك باليوم الآخر، من خلال تصوير مشهد من مشاهده، لإثارة الضحك على هؤلاء الأغبياء المكذبين به. فهم كانوا يستبعدون بعث الموتى بعد أن تبلى العظام، وها هم أولاء يبعثون، وتعرض أقوالهم الماضية المكذبة تهكما وسخرية منهم، ويوضعون في السياق هنا بين الراجفة والرادفة، وبين الزجرة الواحدة، حتى تبدو تفاهة أقوالهم، وضآلتهم في ذلك المشهد العنيف.
ويصاحب هذه الصورة السمعية العنيفة، صورة الانقلاب الكونية، بكلّ ما فيها من كتل ضخمة، وأجرام عظيمة وهي صورة حسية في الكتل والأحجام والأجسام، تصاحب النفخة في الصور، وهي صورة صوتية، عنيفة أيضا. فكلّ المؤثّرات التصويرية، تستخدم في التعبير القرآني، بصرية، وسمعية، للإيحاء بالهول والشدة والفزع، فالشمس مكوّرة، قد انطفأت وزالت، والنجوم مظلمة قد خبا ضوؤها وانطفأ، وانطفاء الضوء يوحي ببدء مرحلة كونية جديدة، في عالم آخر جديد، وكأنّ هذه الإنارات الكونية كانت موقوتة بالدنيا زالت بزوالها، والجبال منسوقة متناثرة والنوق الحبالى المرغوب فيها تصبح معطّلة، لا تجد من يهتمّ بها من شدة الهول، والوحوش، تخرج من أوكارها، وتتجمّع من كل ناحية، وتتسمّر في مكانها بلا حركة، والبحار ملتهبة مسجورة، والنفوس مقرونة بأشباهها الصالح مع الصالح، والفاجر مع الفاجر، والموءودة تسأل في هذا السياق الكوني الضخم، للإيحاء بضخامة جريمتها المنكرة، والأعمال في صحف منشورة مكشوفة، والسماء مكشوطة مزالة، ثم هناك الجحيم المسعّرة، أمام العيون، والجنة مقرّبة كذلك.