للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُزْلِفَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ التكوير: ١ - ١٤.

فالأهوال مرسومة في هذه المشاهد المتعددة، بالألوان، والأشكال والهيئات، والحركات.

منها الصور الضوئية المظلمة «الشمس المكوّرة، والنجوم المطفأة، والصورة المتحركة في الجبال المسيّرة، تقابلها صورة متحركة مقيدة في النوق المهملة، والوحوش الذاهلة المتجمّدة في مكانها، والصور الحرارية في البحار الملتهبة، والصور النفسية المجسّمة في إهمال النوق المرغوبة، ونشر الصحف، وإحضار الأعمال، وجمع النفوس بأشباهها «٤».

فكلّ الصور المألوفة، تتحوّل إلى صور غير مألوفة، فتتحطم صورتها في ذهن الإنسان، بين ما يراه في الكون المشهود، وبين ما يتخيّله في اليوم المرعب، من انفلات نظام الكون، وبداية نظام جديد، حيث نرى في انقلاب المشهد الكوني تسعير الجحيم، وتقريب الجنة، إشعارا بيوم الحساب والجزاء، وهما صورتان غير محسوستين من عالم الغيب، تختم بهما المشاهد، ويتضح الغرض من تغيير نظام الحياة عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ.

والطابع العام في تصوير هذه المشاهد، هو تغيير المألوف المعتاد للإيحاء بالأهوال.

لهذا نجد تكوير الشمس، وانكدار النجوم، وتسيير الجبال، وتسجير البحار، وكشط السماء، بينما نجد في مشاهد أخرى تغيير المألوف والمعتاد في إهمال النوق الحبالى وعدم الاهتمام بها، والوحوش النافرة تتقيد حركتها فلا تنطلق كالعادة. والنفس البشرية تفزع من الصور غير المألوفة، وترتاح وتطمئن للصور المستقرة المألوفة. من هنا جاء تصوير هذه المشاهد، معتمدا على غير المألوف، لتحقيق التأثير النفسي المطلوب في تخويف الإنسان من اليوم الآخر، ودفعه إلى التفكير قبل معصية أوامر الله، لأن الأعمال ستحضر للحساب.

ويلاحظ اعتماد التصوير على الأفعال الماضية المبنية للمجهول، لأنّ هذه الأحداث متحقّقة الوقوع، فعبّر عنها بالماضي، للإيحاء بذلك، كما أن بناءها للمجهول، يتناسق مع جوّ الهول المرسوم في هذه المشاهد، والفعل الماضي الوحيد الذي جاء مبنيا للمعلوم هو عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ للتأكيد على مسئولية الإنسان عن عمله.

وهكذا يتناسق التعبير مع التصوير، ضمن نظام العلاقات، في رسم المشاهد، للإيحاء بالحقائق الدينية. ويبقى السؤال حول عرض الموءودة هنا ضمن هذه المشاهد وسؤالها عن


(٤) صفوة التفاسير: ٣/ ٥٢٤. وقيل المراد قرن الأجساد بالأرواح.

<<  <   >  >>