ذنبها هي، ولا يسأل وائدها وقد أجاب الزمخشري عن ذلك بقوله:«سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها، نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى- أأنت قلت للناس إلى قوله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق»«٥».
وتتكرر مشاهد الانقلاب الكوني في ذلك اليوم، ولكنّ هذا التكرار من قبيل تنويع المشاهد المصوّرة، وليس من قبيل التكرار للشيء نفسه، ففي كل مشهد معاد، نلاحظ صورا جديدة، وإضافات أخرى، تتفق مع الغرض الديني المقصود، والسياق الواردة فيه.
فالمشاهد، مترابطة متناسقة، يكمل بعضها الآخر، ضمن نظام العلاقات التصويرية والفكرية والتعبيرية، وليس تكرارا بدون فائدة. يقول تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ الانفطار: ١ - ٥.
وتترابط الصور هنا في هذا السياق، وتتفاعل فيما بينها في رسم الحركة والهيئة المنقلبة والمرعبة.
فالسماء مشقوقة، والقبور كذلك، تتشقق عن الأجساد، والكواكب، مبعثرة متناثرة، والقبور كذلك مبعثرة، تنثر الأجساد من جوفها، والبحار متفجرة، وحركة الانفجار،
مترابطة مع حركة انفجار القبور، وبعثرة ما فيها، فبين هذه الصور الكونية المرعبة، ترابط وتواصل ضمن السياق للإيحاء بالأهوال والأحوال المخيفة، وهي بمنزلة الطوارق على الحس، لإيقاظه، وتهيئته لاستقبال الفكرة الدينية المطلوبة في قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ.
وتتواصل الصور والمشاهد في رسم أهوال ذلك اليوم، مع إضافات جديدة في كل مشهد معروض، لإيضاح الحقائق الدينية، وزيادة التأثير في النفوس، يقول الله تعالى: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ، وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ، وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ، لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ فالنجوم المطموسة، مترابطة مع صورتها المنكدرة في سورة التكوير، ضمن نظام العلاقات التصويرية، لبيان مراحل زوالها، فكأن مرحلة الانكدار في ضوئها، تسبق مرحلة الانطماس، وو هكذا نفهم الصور في المشاهد القرآنية، فهي مترابطة، ويكمل بعضها الآخر، في رسم الحقائق، وتصوير المتغيرات فيها بدقة متناهية، وليست من قبيل