للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهل الجحيم.

والتقابل بين المشهدين، له أثره في التوجيه، والتأثير الديني.

وبعد هذا الاستعراض المطوّل لمشاهد القيامة، يمكننا القول بأن الصورة الفنية، قد رسمت تلك المشاهد بدقّة وعناية، معتمدة على التصوير المتدرّج، والمترابط. ضمن نظام العلاقات بين الصور أو المشاهد.

وقد شكّلت هذه المشاهد في النهاية بناء محكما ونسيجا موحدا وتصميما متميزا، ضمن الأسلوب القرآني ولكنّها ليست معزولة عن أنساق الصور الأخرى، بل هي متفاعلة معها، ومترابطة بها. ضمن نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية، الذي هو القاعدة التي يقوم عليها الأسلوب القرآني.

ثم إن هذه المشاهد تكوّن، وحدة مترابطة، ضمن الأسلوب القرآني أيضا.

فإذا أعدنا النظر فيها، نلاحظ أنها بدأت بتصوير النفخة في الصور، إيذانا بالانتقال إلى عالم جديد، يختلف في قوانينه عن عالم الدنيا.

وبعد هذه الإشارة أو العلامة على انتهاء الدنيا، تبدأ الصورة برسم مشاهد الفناء لعالم الدنيا، بأرضه وسمائه، وجباله، وبحاره، وشمسه، ونجومه، وما فيه من مخلوقات أيضا.

ولكنّ مشاهد الفناء الكونية والإنسانية، لم تطل، حتى لا تنطبع صورة الفناء طويلا في ذهن الإنسان، فيعتقد أنه النهاية للعالم، وإنما تبدأ مشاهد حياة جديدة، بنفخة في الصور جديدة، تصاحبها حركة خروج، وانبعاث من القبور، ثم حركة انتشار وفوضى، تعقبها حركة تجمّع، في صفوف منتظمة في مشاهد الحشر، للحساب والجزاء.

ثم تبدأ الصورة برسم مشاهد الحساب، بما فيه من وزن وميزان وأعمال حاضرة وشهود وحاكم، ثم يقضى بين الناس، بعد استعراض سجل أعمال الإنسان، وإقامة الحجة عليه من نفسه وحواسه، التي تشهد عليه مع شهادة الملكين والرسل، وسجل أعماله.

ثم يتوزّع الناس حسب أعمالهم، إما إلى الجنة، وإمّا إلى النار ثم يبدأ تصوير مشاهد الجنة، من خارجها أولا، فترسم مساحتها الواسعة، وما في هذه المساحة من أشجار، وأنهار، وحدائق وعيون، ثم يقترب التصوير من بناء الجنة، فيرسم أبوابها، وحرّاسها وشكل هذا البناء الشاهق، على شكل غرف بعضها فوق بعض، أو قصور،

<<  <   >  >>