للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هدي الوحي، فالعقل له مجاله المحدود، وهو ما يقع عليه نظر الإنسان، ويقع تحت حواسه، أما ما عدا ذلك فلا بدّ من الاهتداء بالوحي، لمعرفة ما وراء المحسوس من عالم الغيب.

والقرآن كتاب دعوة وهداية، واجه البشر وقت نزوله بحقائق دينية، وجادل خصومه من المشركين وأهل الكتاب، ولكن طريقته في الجدل، لم تكن ذهنية باردة، أو فلسفية معقدة.

إنّما اتخذ الصورة وسيلة لعرض حقائق العقيدة والإيمان، لأن الصورة تخاطب الفطرة البشرية، والبداهة العقلية، والحواس البشرية. لذلك كان للقرآن هذا التأثير القوي في العقول والقلوب حين أنزل، وما زال هذا التأثير له، لكل من يقرؤه، ويتدبّر ما فيه، ويتذوق طريقته الفنية في تصوير الحقائق الدينية.

إنّ القرآن تناول قضايا كبيرة في الفكر الإنساني مثل الخالق، والوجود، والكون والحياة والإنسان والبعث بعد الموت وغير ذلك، واستطاع أن يحوّل هذه القضايا

الفكرية من إطارها الفلسفي المعقّد، إلى إطار البداهة الإنسانية، بفضل طريقته المتميّزة في التصوير الفني.

هذه الطريقة التصويرية للمعاني الدينية، لا تخاطب العقل وحده، وإنما تخاطب العقل والحس والنفس معا من خلال مشاهد الطبيعة، والأمثال، والقصص، ومشاهد القيامة، والنماذج المرسومة ... إلخ.

فحرّك القرآن العقول بهذه الصور المعروضة، وأيقظ الحواس، على البداهة العقلية، فتفتّحت البصيرة لإدراك الحقائق الدينية، واستجابت الفطرة لندائه، بعد أن أزيل عنها ركام الأوهام وقد حملت الصورة القرآنية كثيرا من الأدلة العقلية، لإثبات العقيدة، وترسيخها في النفوس.

وخاطبت بها الفطرة الإنسانية لأنها مجبولة على الإيمان، ولكن هذا الإيمان بالله، قد يغيب تحت ركام الأوهام، ويخفت نوره إن قليلا أو كثيرا بفعل المؤثرات الخارجية «١».

فقضية وجود الله، قضية فطرية، متأصّلة في النفس الإنسانية، ولكنّها قد تضمر وتغيب بفعل المؤثرات الخارجية، والجهل والأوهام والهوى، ولكنّ هذه الفكرة تنبعث فجأة من تحت الركام عند «أعتى الملاحدة حينما تضمحل هذه المؤثرات» «٢».


(١) مصادر المعرفة: ص ٣٩٠ - ٣٩١.
(٢) المصدر السابق: ٣٩٣.

<<  <   >  >>