واختيار الصورة الفنية للتعبير عن الحقائق الدينية، يدلّ على قدرتها في تقريب هذه المعاني المجردة، وقوة تأثيرها في النفوس، وإقناعها للعقول. لأنّها تعبّر عن القضايا الفكرية في صور محسوسة قريبة من الإنسان، يفهمها الإنسان ببداهة ودون تعقيد.
وتصوير المعنويات أو المعقولات في صور حسية، يزيل خفاءها وغموضها، ويجعلها حية شاخصة مدركة من قبل الإنسان العادي والمتعلم على حد سواء.
وقد اعتمدت الصورة، لتحقيق وظيفتها العقلية. على مشاهد الطبيعة باعتبار هذه المشاهد محسوسة مدركة واستخلصت منها (الاستدلال) على القضايا الدينية، لإقرارها، وترسيخها في الإنسان والإنسان يميل بطبعه إلى المعرفة الحسية، ويتجاوب معها، أكثر من المعرفة الذهنية المجردة.
وقد تحدّث الجرجاني عن أثر الصورة في نقل المعرفة عن طريق الحواس، واعتبرها أكثر تأثيرا من المعرفة المكتسبة عن طريق الذهن يقول عبد القاهر:«لأن العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حد الضرورة يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر في القوة والاستحكام وبلوغ الثقة فيه غاية التمام»«٣».
فالصورة عند الجرجاني تقوم بوظيفتها العقلية في نقل المعنوي إلى شيء محسوس، وما يدرك بالفكر إلى ما يدرك بالطبع، وبذلك تحقق قوة الاستدلال العقلي، بتحويل ما يستفاد بالعقل المجرد إلى مدرك حسي، يكون أكثر وضوحا وإقناعا.
واعتماد طريقة التصوير هذه تتناسب مع طبيعة القرآن باعتباره كتاب دعوة وهداية، فهو يجادل خصومه، لإقناعهم والتأثير فيهم، وليس هدفه نقل المعرفة العقلية المجردة، ومجادلة الخصوم بها فهو يخاطب الإنسان، لإقناعه بالحقائق الدينية، والتأثير فيه، لكي يستجيب للتوحيد، ويؤمن بالله. والقضية الأساسية هي (وجود الله) وقد تضمنت الصورة الفنية كثيرا من البراهين والأدلة على وجود الله وفق منهج عقلي ينسجم مع القرآن باعتباره كتاب دعوة وهداية.
والصور الكونية المعروضة في القرآن، حافلة بالأدلة العقلية، لمن تأمّلها، وتفكر فيها وهي قد عرضت بهذه الكثرة لتحقيق هذا الغرض في إيقاظ العقل على ما في هذا الكون