للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقرآن الكريم يعرض هذه الصور، لتقوم بوظيفتها في مخاطبة عقل الإنسان، والتأثير في وجدانه لذلك جاءت الفواصل القرآنية في التعقيب على هذه الصور بقوله: «يتفكرون- للعالمين- يسمعون» وختمت ب «يعقلون».

ويصور القرآن الكريم الأصنام جامدة صمّا، ليلفت انتباه الانسان العاقل إلى أن عبادتها باطلة لأنها تفقد مقومات الحياة، وبالتالي تفقد القدرة على النفع أو الضر.

يقول تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ الأعراف: ١٩٥.

ويصور القرآن أصنامهم عاجزة عن خلق ذباب ولو تعاونوا على ذلك. قال الله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ الحج: ٧٣.

فالصورة هنا تخاطب العقل الذي ضلّ وتاه عن الحقيقة، وذلك بعرض صورة الأصنام أمام عينيه، ليتأمّلها ويدرك حقيقتها، فهي عاجزة عن خلق أي شيء ولو كان ذبابا، بل إنها أعجز من أن ترد الذباب عنها، أو تسترد ما سلبه منها.

وكما يصور القرآن الكريم عجز الأصنام، معتمدا على الاستدلال المنطقي، والبرهان العقلي. فإنه يدعو أيضا إلى استخدام العقل في حقيقة الجهود المبذولة في عبادة من لا يملك ضرا ولا نفعا.

قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت: ٤١.

فالعنكبوت تنسج خيوطها لتحمي نفسها، ولكنّ جهودها ضائعة، لأن بيتها هذا واه ضعيف والاحتماء به ضرب من الوهم.

وكذلك المشركون في عبادتهم للأصنام، لا تفيدهم ولا تحميهم، فهي خيوط العنكبوت، في أوهامها وضعفها.

والاستدلال هنا مستمد من واقع الحياة المحسوسة، لإثبات وهم المشركين في عبادة الأصنام، وضعف هذه العبادة لأنها تقوم على أساس واه واهم.

وبذلك تؤدي الصورة وظيفتها العقلية، من خلال الصور الكونية الموحية بالتدبير والنظام

<<  <   >  >>