للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإحكام والصور الحسية، المؤثرة في النفس والحس، والمثيرة أيضا للفكر والعقل.

وطريقة القرآن التصويرية تؤدي وظيفتها بمخاطبة العقل والوجدان معا، لإقناع العقل بالحجة والتأثير في الوجدان.

وهذه الطريقة التصويرية في التعبير عن القضايا الدينية أفضل من طريقة الفلاسفة المعتمدة على الأقيسة المنطقية بمقدماتها الطويلة، والتجريدية الجافة، والتي تقدم المعرفة العقلية البحتة المحصورة في الخاصة دون العامة.

بينما طريقة القرآن التصويرية، تخاطب العقل والقلب معا، وتهدف إلى الإقناع والتأثير، لأنها تخاطب الفطرة الإنسانية. وبذلك تتحول القضايا الفكرية إلى حقائق بدهية، بينما الفلاسفة يحوّلون الحقائق إلى قضايا معقدة يكثر فيها الجدل الذهني بلا فائدة.

يقول أبو عبد الله الرازي: «لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن» «١٧».

وطريقة تصوير الحقائق الدينية أو الفكرية، تنسجم مع القرآن الكريم باعتباره كتاب دعوة وهداية للناس جميعا، والناس يختلفون في مداركهم وقدراتهم وثقافتهم، فاقتضى ذلك أن يختار القرآن طريقة تؤدي إلى تحقيق دعوة الناس جميعا، وذلك بمخاطبة فطرتهم من خلال الاعتماد على الصور المحسوسة.

فتميزت طريقته التصويرية بأنها تخاطب العقل والوجدان معا، فتعطي العقل دليلا مقنعا وتغرس في القلب إيمانا راسخا.

كما أن الصورة تقوم أيضا بوظيفة بناء عقل الإنسان، وتشكيله من خلال حثّه على التأمل في الكون، واستخدام طاقته العقلية في اكتشاف أسراره وقوانينه.

كما تضع بين يديه ربط النتائج بأسبابها من خلال الصور التي تحدثنا عنها في هذا الفصل.

وتدعوه إلى اعتماد حواسه في اكتساب المعرفة بالإضافة إلى الوحي الذي يمده بمعرفة ما وراء المحسوسات.

فالإنسان الذي تخاطبه الصورة القرآنية وتبنيه، هو إنسان عاقل مفكر، متدبر في هذا


(١٧) مصادر المعرفة: ص ٤٠١.

<<  <   >  >>