للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإليه ترجع الأمور، ويرجع الخلق للحساب والجزاء.

هذه صورة «الألوهية» كما تتضح في القرآن الكريم، تعرض ببساطة ووضوح، دون تعقيد أو غموض، فليس فيها شيء مما أصاب انحرافات الديانات الأخرى، فهي تهزّ أعماق الإنسان، لأنها تدرك بلا كدّ أو إرهاق ذهني، تخاطب بها الفطرة، فتستجيب لها.

يقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ الإخلاص: ١ - ٤.

فحقيقة الألوهية هي «التوحيد» تصوّر هنا بوضوح وصفاء، من خلال الاعتماد على أسلوبي الإثبات والنفي، والمدركات الحسية القريبة من الأفهام، فتبلغ بذلك أجمل تصوّر للألوهية وأروعه وأعظمه.

ولكنّ الفطرة قد تنحرف في تصورها عن الألوهية، كما وقع للنصارى واليهود، وقد صوّر لنا القرآن هذا الانحراف بقول الله جلّ وعلا: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ التوبة: ٣٠.

وصورة قولهم بالأفواه صورة حسية يستحضرها القرآن على طريقته التصويرية لكي تصبح مسموعة ومرئية حتى يدرك الإنسان بشاعتها، كما أنها توحي بأن هذا قول بالأفواه ولا رصيد له من الواقع.

وقد يقابل القرآن الكريم بين الصورتين المتناقضتين عن الألوهية، كقوله تعالى: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يونس: ٦٨.

فالمقابلة بين الصورتين- على ما بينهما من تباين- يقصد بها تحريك العقل ليدرك حقيقة الألوهية بصورة صحيحة.

فالصورة الفاسدة المرسومة في أذهان النصارى واليهود عن الألوهية، تنطلق من تصوّر الألوهية من خلال الطبيعة البشرية المحتاجة إلى الامتداد في الأولاد، ولم يدرك هؤلاء الفارق بين صورة الخالق، وصورة المخلوق، فحقيقة الألوهية باقية خالدة، والبقاء أو الخلود في غنى عن الأولاد، بينما الإنسان الفاني بحاجة إلى الأولاد ليشعر

بالامتداد عبر أولاده.

<<  <   >  >>