للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخلود دليل القوة والقدرة، والفناء دليل الضعف والحاجة، لذلك نجد الله سبحانه يرسم لنفسه صورة مطلقة منزهة، في الغنى المطلق، والملك المطلق لما في السماوات والأرض.

هذه الصورة المطلقة والمنزّهة عن الشبيه والمثيل في الغنى والملك والقدرة، تنسف الصورة الفاسدة المشوّهة في أذهان اليهود والنصارى عن الألوهية.

وقد جادل القرآن العرب جدلا تصويريا، لإثبات عقيدة التوحيد، وبيان زيف عبادة الأوثان، فرسم للأصنام صورة زريّة فهي حجارة لا تدرك ولا تبصر ولا تسمع، جامدة لا تتحرك:

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها الأعراف: ١٩٥.

وصورة الأصنام وهي على هذه الحالة الجامدة الفاقدة لمقوّمات الحياة، تتناسق مع صورة العرب الذين يعبدونها، بعد أن عطّلوا هم حواسهم أيضا، فأصبحوا في جمودهم كالحجارة الجامدة التي يعبدونها.

ويناقش القرآن قضية تعدد الآلهة، بأسلوبه التصويري، مبينا فسادها، من خلال رسم صورة مضحكة للآلهة المتعددة: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ .. المؤمنون: ٩١.

ويتخذ من نظام الكون المحكم دليلا على فساد فكرة تعدد الآلهة، وذلك في قوله تعالى:

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

فصورة الآلهة المتعددة تجاورها وتلازمها، صورة كونية مضطربة ومختلفة، وبالمقابل فإن صورة الكون المحكم والمتناسق يوحي بالوحدانية لله سبحانه وتعالى.

هكذا تعرض قضية توحيد الألوهية بيسر وبداهة، دون تعقيد أو جدل فلسفي غامض.

فالأدلة على الوحدانية كثيرة، وهي في الكون المحكم، والحياة المتناسقة معه.

ونظرة واحدة يلقيها الإنسان في الكون والحياة، تكفيه للتوصّل إلى الألوهية الحقّة.

كما يصور القرآن عجز الأصنام بصورة ساخرة محقرة لعبادتها، وذلك في قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ... الحج: ٧٣.

كما أن القرآن الكريم، يرسم صورة للألوهية الحقّة، يقرّبها من ذهن الإنسان، ليملأ بها

<<  <   >  >>