للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقسم الثالث: الأسماء التي تجمع بين الجمالية والجلالية، مثل الحكيم، الوكيل، العدل، الخبير ... «١»

وهذه الأسماء الجمالية والجلالية، تعرض في الصور الفنية، لتبلغ أسمى الكمال وأعلاه وهي ترد في التعبير والتصوير، وفي التعقيب على التصوير والتعبير، في الفواصل القرآنية كقوله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الأنعام: ١٠١.

وقد تدور الآية كلها حول تقريب صورة الألوهية من الأذهان كقوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ البقرة: ٢٥٥.

ويعتمد التصوير هنا على التجريد والتنزيه، فيبدأ بأجل الأسماء وهو «الله» ثم تعرض صفات الله بأسلوب جميل متناسق.

وأسلوب القصر «إلا هو» يزيد من وضوح الوحدانية في الأذهان، ثم عدّد صفات الله بصور تنفي عنه الشبيه والمثيل، فهو الحي حياة مطلقة أزلية تليق بجلاله، والقيوم القائم على كل شيء والمتصرف فيه، والمدبّر للأمور، والأرزاق ... وتؤكد الصورة على التجريد والتنزيه، فتنفي عنه النوم نفيا مطلقا بنوعيه الخفيف والعميق، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وهذه الصورة تقريبية، تؤكد قيامه على كل شيء في الحياة، واطلاعه عليه.

كما أنه مالك للسماوات والأرض وما فيهن، ثم إنه لا شريك له في ملكه مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فهو واحد أحد، فرد صمد.

كما أنه يحيط علمه كل شيء، وهو علم مطلق، والإنسان، مكشوف أمام ربه في سلوكه وشعوره، ثم تأتي الصورة الأخرى للدلالة على هيمنته على الكون في سياق التجريد المطلق وَسِعَ كُرْسِيُّهُ توحي بالملك والسلطان، ثم صورة أخرى وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما توحي بالقدرة المطلقة المنزهة عن الجهد والتعب في حفظ السماوات والأرض.

ثم يأتي التعقيب، مؤكدا علوه وعظمته، وهذا التعقيب متناسق مع جوّ الصورة التجريدية


(١) الظاهرة الجمالية في القرآن: د. نذير حمدان. ص ٢٤٣ - ٢٤٨.

<<  <   >  >>