للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للألوهية، وبذلك تتناسق الصورة تعبيرا وتصويرا وتعقيبا في الدلالة على الألوهية الحقّة البعيدة عن الشبيه والمثيل، كما صوّرها القرآن الكريم دائما.

ويركّز التصوير القرآني على أسماء الله وصفاته وأفعاله، في كل سياق، وكل مناسبة، ليشعر الإنسان بحضور الله معه، ومراقبته له، واطلاعه عليه، فيستقيم ولا ينحرف.

يقول تعالى يصوّر قربه من عباده: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ هود: ٦١، ويقترض من عباده:

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ الحديد: ١١، وهو يصلّي على المؤمنين هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الأحزاب: ٤٣، وهو أيضا أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدثر: ٥٦، يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ المائدة: ٥٤، فعلاقة الله بعباده، علاقة قرب، وحب، ورحمة ومغفرة ..

ولكنه شديد على الظالمين حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا .. الأنعام: ٤٤ - ٤٥، وينتقم من المجرمين إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ السجدة: ٢٢.

والذين يبتعدون عن الإيمان يستحقون الختم على حواسهم: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة: ٧، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

والصور الفنية كلها يلحظ فيها هذا الحضور الإلهي في أفعال البشر، والتصرف في حياتهم، وأرزاقهم وهذا الحضور الإلهي يبعث الرهبة في القلوب، فيشعر الإنسان بضعفه وعجزه أمام قوة الله وجبروته، لذلك كان القرآن حين يتلى على المشركين يزلزل قلوبهم خوفا وهلعا، ويزيد المؤمنين خوفا وخشية، وقدرة الله تبرز في كل شيء في هذا الكون المحكم البديع، وقد كثرت الصور الكونية المرسومة في القرآن، للدلالة على القدرة المطلقة، وإشعار الإنسان بها، من ذلك: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة: ١٦٤.

فهذه الآيات وغيرها تشعر الإنسان بعظمة الله وقدرته، من خلال الصور الكونية المعروضة فيتجه الإنسان إلى ربه مؤمنا ومسبّحا وطائعا. لأن الكون كلّه من حوله منقاد وطائع ومسبح لله تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ الإسراء: ٤٤.

<<  <   >  >>