للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التسبيح الكوني ليس مستغربا، لأن الوجود كلّه لله، فهو المالك له، والمتصرف فيه.

وهو الخالق له هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ الحديد: ٤.

إن القرآن الكريم بهذه الصور الحسية والمعنوية والمعنوية ينشئ عقيدة، ويبني تصورا للحياة والإنسان والكون، تصورا ربانيا صافيا بعيدا عن انحراف التصورات والعقائد، وتعقيدات الفلاسفة والمتكلمين.

ويصوّر علم الله المطلق، ويقارنه بعلم الإنسان المحدود، وأنّى للمحدود أن يحيط بغير المحدود قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً الكهف: ١٠٩.

وقريب من هذا التصوير قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان: ٢٧.

فالتصوير هنا ينتزع من مشاهدات الناس، ومعلوماتهم لتقريب علم الله إلى تصورهم، فالأشجار والأقلام والبحار والمداد تنفد لأنها محدودة، ويبقى علم الله لأنه غير محدود.

إنه علم مطلق كامل.

أمام هذه الصورة الضخمة في أبعادها، وظلالها، وحقيقتها، تبدو صورة الخلق والبعث مدركة بيسر وبداهة، لذا جاء بعد ذلك قوله تعالى: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لقمان: ٢٨.

ويصوّر القرآن الحضور الإلهي مع الإنسان واطلاعه على سره وجهره، لبعث الخشية في نفسه إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ آل عمران: ٥.

فالكون كله أرضه وسماؤه ملكه، فهو المتصرف فيه، ويد القدرة تمسك به، ومن في الأرض والسماء هم خلقه، فهم لا يخفون عليه، يعلم سرهم ونجواهم، بل إن الصورة ترسم علما مطلقا وهو ما يلحظ في تنكير كلمة «شيء» لتفيد العموم لكل شيء.

ويصوّر القرآن علم الله بغير المنظور أيضا، وهو الغيب: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ فصلت: ٤٧.

<<  <   >  >>