للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالساعة أمر مجهول، والثمرات في أكمامها لا ترى، والحمل مستور، ولكن ذلك كله مكشوف أمام علم الله، ويترك للخيال أن يستحضر صورة الساعة بأهوالها، والثمرات في أكمامها، والأجنة في الأرحام للإيحاء بعلم الله المطلق.

ويلاحظ أن القرآن يقرب صورة الساعة بوضعها في سياق مع الصور المحسوسة، ليقرّبها من الأذهان، ويوحي بقدومها ومجيئها، كخروج الثمار من أكمامها، والأحمال من أرحامها، خروج من الغيب المستور، إلى الواقع المنظور.

وصور أخرى لعلم الله يعجز الخيال عن متابعتها، كقوله تعالى: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ سبأ: ٢.

وكذلك علمه الشامل بدقائق الأشياء يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان: ١٦.

ويصور علمه الشامل لما في الصدور يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ غافر: ١٩.

كذلك يصور علم الله مجسّما في كتاب ليدركوا شموله ودقّته: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ سبأ: ٣.

وهذا التصوير لعلم الله، وتجسيمه في كتاب، يبعث الخوف في النفس والحذر من مخالفة أمر الله، ويشعر الإنسان بحضور الله معه ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ .. المجادلة: ٧، ومهما حاول الإنسان أن يستخفي منه، فإنه محيط به، يقول تعالى في المشركين: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ هود: ٥ - ٦.

فهؤلاء المشركون قاموا بحركة عابثة في الاستخفاء والاستتار، ونسوا أن الله معهم في السر والعلن، حتى إنه يعلم أحوالهم، حين يكونون وحدهم في جنح الظلام الساتر، بل إنه يعلم أسرار صدورهم.

وتضمّ الصورة أيضا رزق العباد، فهو بيده أيضا يضاف إلى علمه المحيط بهم.

كما أن قدرته تمسك كل شيء في الأرض والسماء. حتى يشعر الإنسان بقوة الله، وقدرته عليه بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ البقرة: ١١٧.

<<  <   >  >>