أقوالهم في وصف ذلك اليوم. والغاية من التصوير هي التخويف من يوم الحساب، وهكذا نلاحظ كيف تتفاعل المشاهد في السياق، وفي داخل اللوحة الواحدة، للتعبير عن معنى الهول والشدة، وتحقيق الأثر النفسي المطلوب. وهذه الألوان من الصور كثيرة في القرآن الكريم، لمن يتأمل الأسلوب القرآني المعجز.
ونحن لا نستطيع أن نحكم على هذه الصور، من خلال نظرة جزئية، لكل صورة على حدة، فهذا يمزّق الصورة إلى أجزاء متباعدة، لا تساعد على إدراك الصورة الفنية الموحّدة بإيقاعها الموحّد، وآثارها الموحّدة في النفوس.
وتتعاون جميع الصور الفنية في السورة الواحدة، وتتفاعل مع الأنساق المختلفة، لتكوين «الصورة الكلية» في كل سورة. التي ترتبط هي أيضا بصورة أكبر، وهي «الصورة المركزية» المكوّنة من النص القرآني كله. وبذلك تتحقق وحدة الصورة القرآنية، في بنائها الفني، كما تتحقق أيضا في وحدة الفكر الذي تحمله، ووحدة الأثر النفسي الذي تحدثه في النفوس.
وأكتفي ببعض الأمثلة من القرآن الكريم، التي يمكن أن نقيس عليها، في فهم نموّ الصورة القرآنية عبر السياق على النحو الذي ذكرته آنفا.
ففي سورة الملك مثلا نلاحظ أن الصورة الكلية فيها هي «الملك والقدرة»، وقد بدأت الصورة بالإيحاء بها منذ مطلعها يقول الله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الملك: ١، ثم إذا تتبعنا الصور الفنية الأخرى، نلاحظ أنها تتوالى داخل الصورة، وتتفرّع من هذه الصورة الكلية، على نحو معجز، فتتفرّع أولا صورة الموت والحياة الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الملك: ٢، وهي صورة مألوفة مكرورة أمام أعين الناس، ولكن السياق هنا، يبرزها، ويدعو إلى التأمل فيها، للوصول إلى يد القدرة المالكة لها.
ثم تتفرّع أيضا صورة السماء المزيّنة بالمصابيح وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ الملك: ٥، وهي صورة حسية، فيها الجمال والإبداع والتناسق، تملأ حسّ الإنسان ووجدانه بمعاني الجمال والجلال، وهي تدل على القدرة والملك أيضا، وتوحي بهما، ثم تتوالى الصور المتفرّعة من الصورة الكلية مثل (صورة جهنم بشهيقها وزفيرها وخزنتها- وصورة العلم الالهي المحيط بالظاهر والمستور، وصورة القهر والاستعلاء من خلال السؤال عن النصير والمنجي من عذاب الله. وصورة الرزق المرتبط بالسماء، وصورة خلق السمع والأبصار