والمقصود بالتصريح بالسماع هو أن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا أو سمعت أو ذكر لنا أو قال لنا ... الخ، وأما صحة التصريح فإن بعض الرواة قد يَهِمُ ويقول: حدثنا - وهو لم يحدثه -؛ لكونه تعوّد على عبارة حدثنا كجرير بن حازم، قال عنه يحيى بن معين:"جرير بن حازم كان سجيّة فيه أن يقول حدثنا حدثنا " وإن لم يقل شيوخه حدثنا، فيقع ذِكْرُ التصريح بالسماع منه وهماً لا تعمُّداً. بل إن بعض الرواة ضعّفهم أهل العلم لأنهم يذكرون صيغ السماع بين رواة معروفٌ عند أهل العلم أنهم لم يلتقوا، ومن هؤلاء سالم الخيّاط سُئل عنه أبو حاتم، فقيل:" سمع الحسن من أبي هريرة؟ قال: لا، قالوا: فإن سالم الخيّاط يقول عن الحسن سمعتُ أباهريرة! فقال أبو حاتم: هذا مما يبين ضعف سالم". ويُتنبه إلى أن توهيم الرواة في صيغ السماع له قيود وضوابط، ليست هي ضوابط وقيود مسألة الشذوذ. فإذا صحت صيغة السماع يبقى احتمال أن الراوي تأول في صيغة السماع، فقد يقول الراوي: حدثنا، ويقصد حدث أهل بلدنا، وغزا بنا، يقصد: غزا بأهل بلدنا أو غزا بالناس، وهذا فعله الرواة، وورد أيضاً عن أبي هريرة في الصحيحين حينما قال:((لما افتتحنا خيبر)) ، ومعلومٌ أنه لم يسلم إلا بعد فتح خيبر، وكذلك الرجل الذي يخرج للدجال في آخر الزمان ويقول:((أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنك)) ، ومعلومٌ أنه لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون قصده بحدثنا أي حدث المسلمين. فالمقصود: أنه قد يتأول بعض الرواة، لكن الرواة الذين تأوّلوا قلةٌ جداً، وتأوّلهم أيضاً قليل جداً، فليس لهذه القضية حكم مُطّرد، فلا يقال: مادام أن الرواة قد تأوّلوا فلا يكون لـ (حدثنا) دلالة على السماع، بل هي دالّة على السماع إلا في حدود ضيقة، ليس هذا المقام مجال ذكرها.