السابع: مسألة تعارض الجرح والتعديل، وهذه المسألة مهمةٌ جداً؛ لأنها كثيرة الحصول واقعاً، فكثيراً هم الرواة الذين اختُلف فيهم جرحاً وتعديلاً.
والمسألة اختلف فيها اختلافاً طويلاً وكبيراً بين العلماء، والراجح فيها ضمن النقاط التالية:
١) تقديم الجرحِ المُفسّر بجارحٍ حقيقي، إلا إذا ردّ أحدُ العلماء بما يدلُّ على عدم صحة هذا الجرح.
والمقصود بالجرح المُفسّر الذي بُيّن سببه، والجارح الحقيقي هو الذي يستحق أن يُجْرَحَ به في عدالته أو في ضبطه، لا كما جرح أحدهم راوياً، فسُئل: لماذا؟ ، فقال:"رأيته يركب على برذون يجري به في السوق"، فهذا ليس بجارحٍ حقيقي، وكذا من جرح راوياً آخر، فسُئل لماذا؟ ، فقال:" سمعت في بيته طنبوراً". أي مزماراً، فهذا محتمل أن يكون من طفلٍ صغير أو غيره، بغير علم الشيخ، فتجريحه بهذا ليس بصحيح. كذلك يحصل في التعديل، كمن وثّق أحد الناس، فسُئل عن توثيقه، فقال:" لو رأيت لحيته وهيئته ". فهذا غير صحيح، فلا يصح الاكتفاء بالهيئة في التعديل.
المقصود: أنه إذا بيّن الجارحُ أو المُعدِّلُ سبباً لا يكفي للجرح أو للتعديل، فلا يُقبل في الجرح ولا في التعديل؛ لذا اشترطنا الجارح الحقيقي الذي يستحقُ أن يُقبل، فهذا مُقدّمُ إلا في حالةٍ واحدة، وهي أن يأتي إمامٌ آخر ويقول:" أنا أعرف أن فلاناً قد تكلم في فلان بكذا، والصواب ليس كذلك"، ويبيّن القضية. وهذا يحصل كثيراً، ونجده أيضاً في (ميزان الاعتدال) للذهبي، فهناك مِنْ الرواة مَنْ ضُعِفُوا بأسبابٍ جارحةٍ في ظاهرها، ودافع عنهم الذهبي، كمن ضُعف بأنه يشرب الخمر، فيأتي الذهبي ويقول:لم يكن يشرب الخمر، بل كان يشرب النبيذ، وهو من أهل الكوفة، حيث كان يشربه بناءً على مذهب أهل الكوفة في جواز شرب النبيذ، فالراوي ثقةٌ وعدلٌ وليس فيه شئ.