للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا تنبيه يتعلق بهذه المسألة: وهو أن بعض طلبة العلم يظن أن وصف العالم بالتشدد أو بالتساهل أو بالتوسط، أنه يعني أن لا يُقبل من إمام متشدد أن يحكم بالتضعيف، ونعتبر هذا من تشدده، كما أنه لا يقبل توثيق المتساهل مطلقاً، وهذا الظن غير صحيح، ولم يقلْ به أهل العلم، ولا الذهبي نفسه، الذي وصف العلماء بالتشدد والتساهل، فلم يفعل هذا الفعل. بل وُصِفَ العلماء والأئمة بهذه الأوصاف؛ لتنتفع بها عند تعارض أقوال الجرح والتعديل فقط، أما من يظن أنه يردّ قول المتشدد في التضعيف، والمتساهل في التوثيق، فهذا خطأ في المنهج؛ لذلك تجد بعضهم حينما يقف على حكم للحافظ ابن حجر يعتمد فيه على توثيق ابن حبان، تجدهم يتعجبون من صنيع الحافظ، مع أنه هو الذي وصف ابن حبان بالتساهل في التوثيق، وهذا خطأ فمن الذي قال: أن وصف الإمام بالتساهل يقتضي ردّ قوله في التوثيق، وكذا العكس؟!! ، وكذلك تجدُ أن أعرف الناس بـ (المستدرك) للحاكم هو الذهبي -الذي اختصره-، وهو الذي تعقب الحاكم في مرّات بألفاظ لاذعة وشديدة جداً، لمّا صحح بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، مع ذلك قال الذهبي في تصحيح الحاكم العبارة السابقة، وهي: "وإذا صحح الحديث الدارقطني والحاكم، فأقل أحواله حُسْن حديثه "، وكذلك الذهبي انتقد الترمذي بالتساهل، وقال فيه -كما سبق-:"إذا صحح الترمذي وابن خزيمة لرجل فهو جيّد الحديث". كما أن هذا المنهج الخاطئ يقتضي وصف الأئمة والعلماء بعدم العلم؛ لأنك لو قلت: فلان لا يقبل توثيقه، فمعنى ذلك أنك أهدرت أحكامه، والأحكام لا تهدر إلا لمن كان الغالب عليه الخطأ، أما من كان عالماً فتكون غالب أحكامه صواب، ويجب عليك قبول أحكامه، إلا إذا جاء ما يدلّ على أنه خالف الصواب.

<<  <   >  >>