للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخصيصًا للحديث، وإنما فيه لزوم تأويل "يقرأ" في الحديث بما يعمُّ قراءته بنفسه وما يقوم مقامها من قراءة إمامه، وهذا تأويل للفظ "يقرأ"، لا تخصيص للعموم.

وأما الأبكم ومن لا يُحسِن الفاتحة فإنهما مُستثنيان بالعقل، لامتناع تكليف ما لا يُطاق، وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

وحقَّق صدر الشريعة من أئمة الحنفية أنَّ التخصيص بالعقل لا يُضعف دلالة العام. وعبارته في "التنقيح" و"توضيحه" (١): "لكن يجب هناك فرق؛ وهو أنَّ المخصوص بالعقل ينبغي أن يكون قطعيًّا؛ لأنه في حكم الاستثناء، لكنه حذف الاستثناء مُعْتَمِدًا على العقل، على أنه مفروغ عنه (٢)، حتى لا نقول: إنَّ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: ٦] ونظائرَه دليلٌ فيه شبهة، وهذا فرق قد تفرَّدتُ به، وهو واجب الذكر؛ حتى لا يُتوهَّم أنَّ خطابات الشرع التي خصَّ منها الصبي والمجنون بالعقل دليل فيه شبهةٌ؛ كالخطابات الواردة بالفرائض، فإنه يكفر جاحدها مع كونها مخصوصة عقلًا، فإنَّ التخصيص بالعقل لا يورث شبهة، فإنَّ كل ما يوجب العقلُ تخصيصَه يخصُّ، وما لا فلا".

فإن قلت: العقل إنما يدلُّ على أنَّ العاجز لا تلزمه الفاتحة، ولا يدلُّ على صحة صلاته، لأن كونه لا تلزمه الفاتحة يصدق بأحد حكمين: إما أن


(١) (١/ ٤٤).
(٢) في الأصل: "مفرغ فيه". والتصويب من المصدر المذكور.

<<  <   >  >>