وما ظَنُّك برجل مجهول الجد، موصوم الأبوة، قَلِعٍ لا يحسن المجاولة، ولا يلزق بالصهوة، كثيف الحاشية، جلده على سوء الطوية، تنور خبز، وبركة مرقة، وثعبان حلواء، وفاكهة مِعى، في شح النفس، متهالك في مسترذل الطمع، يبز عليه العضرفوط ابن غمه بسذاجة زعموا مع كونه قبيح الشكل بشيع الطلعة، واتصل بي إقراره إياه على رسمه فقلت:
قُمْتَ بأمرٍ أنتَ أهلٌ لهُ ... فَلْتاتِ ذاكَ الأمرَ من بابِهِ
لا تُدِنْ مِنْ ملكك شخصاً يرى ... بأنّه في الناس أولى بِهِ
وعنده مال ومن خلفه ... أيدٍ تَعَلَّقْنَ بأهدابه
لا سيما من دخَلَتْ أسته ... وانتفخت من تحت أثوابه
وخاب منه الملك فيما مضى ... وكان ينوي قطع أسبابه
قد أفسدَتْ أقوال كهانه ... فكرتَه اليومَ وحُسَّابه
ينظر في المرآة من وجهه ... بين مواليه وأحزابه
عروس مُلك طالما أُعْمِلَت ... في عَقْدِهِ أرجُلُ خطَّابه
فَهَمُّهُ استبدال قواده ... وفكره استنخاب كتابه
إن نام كانت حُلْمَ أفكاره ... أو قام كانت نصب محرابه
يَنْقُدُكَ العيبة مهما خلا ... ما بين أهليه وأصحابه
ويجذب الناس إلى نفسه ... بخادع القول وخلاَّبه
كانَ به إذ لم تكن حازماً ... والوفدُ يبغي إذن حجابه
والآن قد هابك فاحذرْ فما ... يبدأ فتكاً غيرُ هيابهِ
وقاطع الدولة مستقبلاً ... فليستعذْ من شر أوصابهِ
والله يكفيك شرور العِدى ... لا يستعين العبد إلا بهِ
والملك لم يُقْصَر على أمة ... وإنما الملك لغلابهِ
هذا ابنُ هودٍ بعد إرث العلى ... بانَ بنو نصر بأسلابهِ
لا يستَلِذُّ العيشَ ليثُ الشَّرى ... حتى يَذُودَ الأسْدَ عن غابه
وإن أضَعْتَ الحزم لم تنفلت ... مِن ظُفُرِ الحَيْنِ ومِن نابه
لا تتهمني إنني مُمْتَلٍ ... من حِكَم المُلك وآدابه
وعقلَكَ الموهوبَ حَكِّمْهُ في ال ... أحوالِ وأشكرُ فَضْل وهَّابه
وكل من أذْلَلْتَهُ قبلها ... عَلِّمْهُ بالملك وألقابه
لم يُرَ ملكٌ في زمان خلا ... قام له رسم بأترابه
من قلتَ يا عمِّ له مرةً ... ثق بتعاطيه وإعجابه
أو سيدي دام، يرى سيدي ... حقاً لَهُ قمت بإيجابه
وفي العشر الأول من رمضان تقبض على الوزير المشوم، وابن عمه الغوي الغشوم، في ولد الغوى، مرسل الضفيرة، أبعد الناس في مهوى الاغترار، يختال في السرق والحليه، سم من سموم القوارير، وابتلاء من الله لذوي الغيرة، يروح نشوان العشيات، يرقص بين يديه ومن خلفه عدد من الأخلاف يعاقرون النبيذ في السكك الغاصة، وولدي العقرب الردي بضده قماءة وتقطبا، تنبو عنهما العيون ويبكي منهما الخز، كأنهما صمتا عند المحاورة، وإظلاماً عند لألاء النادرة، من أذلاء بني النضير، ومهتضمي خيبر، فثقفا ملياً، وبودر بهما إلى ساحل المنكب.
قال المخبر، فما رأيت منكوبين أقبح شكلاً ولا أفقد صبراً من ذينك التيسين الحَبَقَيْن، صلع الرءوس ضخام الكروش، مبهوري الأنفاس، متلجلجي الألسنة، قد ربت بمحل السيف من عنق كل جبار منهما شحمة أترجية كأنها سنام الحوار، وافترقت بطونهم عن سرر كأسمعة الفرا، لا يثيرون دمعاً ولا يستنزلون رحمة، ولا يمهدون عذراً، ولا يتزودون من كتاب الله آية، فقد طبع الله على قلوبهم، وأخذهم ببغيهم، وعجل لهم سوء سعيهم.
وللحين أركبوا هم وجِراؤهم في جفن غزوي تحف بهم المساعير من الرجال. واقتفى بهم إثر قرقورة تحمل حاجاً إلى الإسكندرية تورية بالقصد. فلما لججوا في البحر قذف بهم في لجه بعد استخلاص ما خبثوا به، وتلكأ الأصلع الغوي فأثبت بجراحه أشعر بها هديه، واختلط العقرب الرَّدِي رفنال من جناب الله سخطاً وضيقاً تعالى الله عن نكيره، فكان فرعون هذا الزمان جبروتاً وعتواً وميتة، عجل الله لهم العذاب وأغرقهم في اليم، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، فسبحان من لا تضيع الحقوق مع عدله ولا تنفسخ الآماد مع منازعته رداء كبريائه مرغم الأنوف، وقاطع دابر الكافرين. وفي ذلك أقول مستريحاً وإن لم يكن - علم الله - من شأني، ولا تكرر في ديواني: