ولم يكن إلا كَلاَ وَلاَ، حتى تداعى الدّبا من عربان القبلة، منجدة اللمة العاصية لملك الآفاق، وقصدوا البلدة وبرز الجيش للدفاع عنها وقد تخاذل وأحجم عن المعادل لبعض أجزائه لوحشة الانقطاع وخبث الطوية، والركون إلى الدعة، فأبلى المحمس منهم ثم أعطوا الضُّمَّة وانحازوا إلى البلد، واتفق فائل رأيهم على الاعتزاز بدائل بجمع الكلمة وينظم الشَّت، ويرأب الثَّأي، فالتف قوم منهم على أحد القرابة وأصحروا مستدعين إلى بيعته، فتسايل الناس. ونمى الخبر إلى أمير الجيش فحذر معرة ذلك على نفسه، وخاف بادرة الدائل أن تحيق به ففاوض رُجْحَ القوم، وصارف المنتبذين ما ذهبوا إليه، وعمد إلى منصور بن سليمان، مقدمه يومئ من تربة الشيخ تاج العارفين أبي مدين متذمماً بها، فأعلق به البيعة، وسامه مَدَّ اليد لها عن تثاقل، وأخذ له عهد الناس بالوفاء له، وأروه على ذلك زعيم الروم يتولى السيقة وردء التعبئة. وقرعت الطبول فاستراب المنتبذون ونمى لهم الخير وقد استأثروا ببكارة تلك البيعة المبتورة، والدعوة المُخْدَجَة، فطار صاحبهم فاراً على وجهه، فدخلوا مدخل الجماعة وصرف الجميع وجوههم إلى المغرب لا يصدقون خبر النجاة، واعترضهم العرب في طريقهم فأبلوا أحسن البلاء مستميتين دون قصدهم حتى خلصوا بعد لأي، واتصل الخبر بالوزير كافل الولد فعظم الأمر، وسفر الخطب، وجرى على رسله ثابت الجأش رابط الحزم، فأشاع البروز إلى المدافعة وجهاد الخارج عن سلطانه، وشرع في العطاء واستركب واستحلق، وأفاض العدة وأركب الرجل وانتقى الآلة وحصن البلد الجديد خلفه، وأوعز إلى ثقاته ما يعمل بحسب حَدِّه، والوقوف عند رسمه، واضطرب مُضْطَرَبها المعروف من الفحص الأفيح، وفوق الهضب المطل على البلد المعروف بالرمكة وقد اقتضى اليمين واستوثق من الحاشية، وبذل التي لا فوقها من السداد والإصابة. ولما جن ليل خروجه بالولد سلطانه، وقد انتظم الجمع واحتفلت المحلة، وراقت للسلطان الآلة، وقد اقترب عدوه، وكادت تبدو ناره، ويكنف جواره، أسلمه الناس، شأنهم في هذا العهد، وديدنهم في هذا الزمن، وطاروا عنه لا يلتفتون ولا يلوون، فأفاق واستجمع، وأركب السلطان، واشتمل عليه، وأمر بتقويض المضارب، ورفع الآلة والعدة، وكر إلى البلد الجديد، فاستقر به في خِفِّ من الحاشية وأفذاذ من الخالصة.