ولما اتصل هذا الخبر بالسلطان طالِب حقِّه وناشِدِ ضالة ملكه، وانصرف عنه الجيش المرتزق من الدول المرينية بجملته والشيخ يحيى بن عمر بن رحو مؤمل الكرة من إمارة جنده والرّيس الذي خف لمظاهرته محمد بن يوسف بن نصر، وفرّ الكثير إلى عدوِّه، ومن وجوههم ابن وزيره المشؤوم الطائر، المهدى لقبه فأل الانكماش، المقطوع بالمنْحسة مع استبطانه هَوَجاً وخَوَراً وأَفَناً وهذراً ونَهماً وبُخلاً وبَخَراً وسوء خلة، يُبِرَّ عليه ابنه المأبون بالتطفيف في مكيال أكثر هذه الخلال، فانكفأ أدراجه على قرب عهد من وصوله إلى الأندلس فاحتل مالقة، وبها أشياخ النَّكْراء من بني شعيب المتظاهرين بالسذاجة الأندلسية وعدم التصنع وإرسال السجية، وأكل الأطعمة التي يحضرها التظرف، وفي مسْلاخ كل تيس منهم وَالِبَةُ بن الحُبَاب والعباس بن الأحنف والحسن الحكمي من اللَّوْذَعِية والفطنة والمعرفة بطرق المجانة، ويمتُّ إليهم بصهر، فقاموا به وانصرف عنهم إلى السلطان بغرناطة، فحين توسط طريقه بدا له فجعل وجهه إلى بلد النصارى وارتكب خطراً عظيماً ولحق بمنشأ فراره آيباً بِخَفِيِّ عاره. وحسبك بها مجادة وحياء ودهياً، والولد من طينة أبيه، وتوجه على آل شعيب نكير السلطان لإغفالهم إصحابه إليه وهو المعتاد في مثله بما أوجب نقلهم عن مالقة في هذه الأيام مورياً بالحاجة إليهم وفي سبيل مظاهرته.
وانحاز السلطان جبره الله بمن استمسك معه إلى صاحب قشتالة وقدم عليه فآنسه واعتذر له على التقاصر في نصرته المجدية لهيض جناحه بهلاك سلطان المغرب ثالث أثافيهم وهجوم فصل الشتاء، وضيق الزمن عن احتفاله بحركة تجيشه، وأسكنه بمن معه بلد اسْتِجَّة الكائنة على ضفة شنجل، الرَّحْبَة الساحة، المجدية الفلاحة، الأنيقة الكريمة، المطلة على ثغور بلاد المسلمين، فاستقر بها في دَعَة، وتحت نُزلٍ وجراية.