وقد كان الفَسْلُ المتغلبُ على الأندلس لَمَّا شعر بالعمل على إجازة السلطان مغدورِه الذي كبس مضجعه، وابتز أمره، أخذ حِذْره، ونشط للمقارضة شَرَهَاً إلى إقامة رسوم الفتنة وجرياً عل سبيله من الجرأة، وعدم نظره في العقبى والمغبَّة، فشرع في إجازة من لنظره من أبناء الملوك والمرشحين بالمغرب للأمر والمتأهلين لإقامة سوق التشغيب على ابن عمهم، وهم جملة منهم الاخوة الأربعة المعتقلون ببعض دوره تقمناً لمرضاة السلطان الحائن، متوقِّعٍ حظَّهم، وهم عبد الحليم وعبد المؤمن ومنصور والناصر بنو السلطان المغمور الحظ بسعد أخيه، الموكوس الوزن بكدح الأيام لصنوه مع أثرة الأب ورجحان كثير من الخلال أبي علي عمر بن أمير المسلمين أبي سعيد بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، أسبقهم أبو محمد عبد الحليم الأمثل الطريقة في الرجاحة وحُسن السَّمت وإقامة الخط وإبانة الخطاب والتظاهر بالتصاون والتزيّي بالخير. من رَجُلٍ رَبْعَةٍ، أزهر اللون مرهف البدن طويل اللحية مُسْوَدَّاً شعرها كأنها قِنْوُ النخلةِ المُتَعَثْكِل، لم يزل من بينهم مطمح النفوس ومرمى الآمال وهدف الأراجيف ومتشوّف الظنون. وأخوه عبد المؤمن مجاريه في بعض الخلال والصفات، المُرْبى بالصُّفرة وإيثار الصِّمَات المشهور بالإقدام. وأخوهما المنصور تلوه في الترشيح وأحد الأفراد في التشدق وتعاطي الفصاحة إلى الهُوِيِّ في أقصى دركاتِ اللَّوْذَعِيَّة، وانتحال الأدب، مباينٌ لهما بالوسامة والبدانة. وأخوه الناصر مثله وأظهر سداداً وانقباضاً مع صلوح وخيرية يشهدُ بها معارفه. إلى سوى هؤلاء من القرابة والنسباء. فَتَنَخَّلَ منهم عبد المؤمن وعبد الحليم وابن أخ لهما، وأمسك الآخرين ليكون له الخيار في الإعادة إن عارضهما معارض أو التغرير إن بانت له في متعدد من الجهات فرصة. ونذر بغرضه الأسطولُ المتضمن حفظ البحر من أسطولي المغرب وقشتالة. وقد دفعت القطعة من مرسَى المُنَكَّب فقصداها وراما التغلب عليها، وقام أهل الساحل من دونها، وأورطوها في الرمل فتعذّر إخراجها ووقع عليها قتال فَشَتْ منه في الطائفتين الجراح فتعذر سفرها وشُرع في رَدِّها إلى مستقرها وانجرف الأسطول لحاجته من زاد الماء بتلك الأحواز فغافصوه في قطعة مختصرة عجّلوا دفعها التحفت الظلمة وخاضت الموج بعد تقدم مراسلة آل زيان الراغبين في ضرب بعض عدوهم ببعضه واستجلاب الفتنة إلى أرضه والاتفاق على ما يستقر عليه الأمر. فكان نزولهم ببعض مراسي السواحل التلمسانية وذلك بين يدي الحادث بسلطان المغرب. فاستقروا في الأيالة الزبَّانيّة في نفر ستةٍ من أمير وخاصةٍ نوه بهم الأمير أبو حَمّو بتلمسان موسى بن يوسف ابن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن متلقف كرة الحظ ومُجدد رسوم الدّولة المتفق منه على الصلوح دهياً وحزامة، فحملهم وحباهم وخلع عليهم، وأعان صاحبهم بموْئل قِرىً ومكارمة. وكان حلولهم لديه على تفئة استيلائه على مدينة الجزائر عقد الصفوة وسبْقة البلاد المنهزمة، وآخرها انقياداً للإيالة الزيانية، وتمسُّكاً بالمرينية، وقد اشتملت من العيال المتورطين بإفريقية فما دُونها والحامية المنبّتين والضعفاء المحرجين على أُممٍ وقع الرأي من آل زيان زعموا على إكْبَالهم وإرهانهم في عددهم ومثلهم ممن في السجون المرينية، فجعل هذا الوافد الشفاعة فيهم صدقة بين يدي نجواه. ولم يمكن إيواء مثواه الأمير أبا حَمّو إلا إسعافه فتخلص منهم أمة لحقوا بسببه بأوطانهم. وكان من الأمر ما يأتي به الذكر إن شاء الله.