وقد كان عامر بن محمد بن علي الهنتاتي، شيخ قبيل دار هجرة الإمام المهدي، وبقية رجال الكمال، الثبت الحصاة، الوقور المجلس، الوافر خلال السيادة، نافَسَ الوزير أيام نصبه الولد خلفاً من أبيه، وأنف من الانقياد في خطامه، وتمسّك بولدٍ ثانٍ كان السلطان أقامه بمراكش، فموه به ورتب له، وبُودِرَ بالجيش فاقتصر على منعته، وناصف القوم في بعض مجاولاته. فلما استقر الأمر وخَلَص الملك، روسل فأصغى وأسهل، ولحق بباب السلطان مستنيباً بمكانه أخاه عبد العزيز حامي السَّرح، وحافظ السيقة، والمُعتلق بحبل المنْعَة، فسأله لِمَا كان من نبذ موالاة هذا الأمر عند مراسلته إياه من البحر، ونِشْدَانه في صلة اليد وقد استوسقت الطاعة لمنصور بن سليمان، وقدَّر أنها صفقة لا تَحِلْ وبيعةٌ لا تنكث [لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّنيَ السوء] .
ووجّه عن منصور بن سليمان وابنه، وقد لحقا بجبال الريف، وأخذتهما يد الاضطراب، وراما التذَمُّمَ بتربة الشيخ ولي الله تعالى أبي يعقوب، ولَبِسَا الصوف، فلم يغن ذلك عن نفسه، وأسلمه الناس فتُقبُض عليه وعلى ولده، وجيء بهما مصفودين مُرْكَبيْن على الظَّهر، نُكْس العيون، ميل الأعناق، قد بدت لهما سيئات ما اكتسبا، ومُعْقِبات ما ارتكبا من الركون إلى العهد المخفور والذمام الرث، والولي المخذول، فوقفا موقف الشَّمات، وتقذعا بالمقذع من القول، ثم دفعا إلى المنايا السود فقتلا صبراً، أُمر بعضُ رَحِمِهِمَا الواشجة فناشهما بالحراب، وتخلفا مُلوثيْن في ضحضاح من الحمأة عبرة لأولي الأبصار وسعوطاً لأنوف الاغترار إلى أن نفذ الأمر بمواراتهما فمضيا لشأنهما عفا الله عنهما، ولقد كان الشيخ منهما موسوماً بإقصار عن كثير مما نَبَزَهُ إليه أولو قُعْدُدِه مرعياً على البيت متظاهراً بالخير معروفاً بالتَّصاون، ثبت الموقف في اللقاء. وكان ولده من النبل والكيس والتفطن للأمور، ومن الحدة على ثَبَج عظيم غير سِكِّير، مع جنون الشباب، وترف النشأة وحسن الرواء. ونفذ الأمر بمثل ذلك في ذمرَيْن من صقور قبيل بني مرين، منصور بن أبي منديل، وعمر ابن الزُّبير المخصوصَيْنَ بركْبَةِ الحائن، والمعيَّنَيْنِ لرياسة الحِصص القاطعة بالأمير الدايل. قِيدَا يرسُفان في قيودهما ويعالجان جَرَّ أَدَاهِمهما إلى مصرع السوء، وفي القلوب منهما كَهَفِّ الجمر وحزِّ المدا، لمكانهما من الدفاع وشهرتهما بالمضاء. وبان يومئذٍ على منصور منهما ما زكَّى عقد الشجاعة إذ غافص أحد الوَزَعَة فانتزع منه سيفه وأهوى به إلى قاتله فأثبت بجراحة لولا أنه مَنَع القيد من نقل خَطْوِه، وجُذِبَ بمعلاقه فسقط ليَدَيْهِ وفيه، لتركها جَلْوَاء.
وأقام الوزير الحسن بن عمر رسم الوزارة الكبرى على دَيْدَنِه من التقدم والاستبداد وعدم المبالاة بمن دونه، فأخذته الأَلاقيُّ وتعاورته السعايات، وخَوَّفَ السلطانَ منه أولو الدالَّةِ، ودست الدسائس حتى بألسنة الحُرَم. فاقتَضى النظر صَرْفَه عن السُدَّة والاستظهار به على المهم من الخدمة، فعُقد له على مَرَّاكُش وأحوازها، وأُتبع الجيش وأقطع العز وسُوِّغ المال، فانصرف لها يجر الدنيا وراءه، فاستقر بها أَمْلك بصقعها فأمَّن السُّبُل ودَوَّخَ الجهات واستخلص ما رسب من الجباية، وحسنت منه المناصحة.