والمنَّة لله في قراره، وربُّ الدار قد توسد أريكة داره، والوارث الأحق قد فاز بحقه، والجواد الكريم قد تميز في ميدان السعد بخصْل سبقه، وإن الطاعة قد اتسقت عقودُها وانتظمت وخلصت واستحكمت، والألسنة قد أعلنت ما كَتَمَتْ، وملة الإسلام قد رضيت وسَلَّمَتْ، وأن البلاد والعباد قد شملها الاستبشار، وحصل لها الأمل الذي إليه يشار، والقرب الذي كانت تحن إليه حنين العِشار، وظهرت آثار الاعتقاد الذي كان كامناً، وذهب بروع النفوس مقام إبراهيم الذي من دَخله كان آمناً، وغبطناكم بموقعها الأسنى، وعارفتها الحسنى، وقلنا الحمد لله الذي ردَّ حلي المُلك المجيد إلى الجيد، وقلد حُسام الخلافة عاتق البطل النَّجيد، وزيَّن المفْرقَ بالتاج، وقرن مقدمة العزم بالإنتاج، فمعاذ الله أن تجهل البلاد حق والدكم الذي كفل الرعية وكفاها، وتمم مآرب الإسلام على مَرِّ الأيام ووفاها، وأعذب الموارد وأصفاها، ومدَّ جناح العدل المنشور، والفضل المشهور، ووسم بغرر المناقب أوجه الأعوام والشهور، وكان لملوك الإسلام أباً، ولتمهيد الأقطار وتسني الآمال الجهادية والأوطار سبباً، ولدين الله ركناً وثيقاً، ولأوليائه وليّاً وصديقاً، وعلى الثغور شفيقاً، ولأَعْبَاءِ الخلافة مطيقاً، وللمناقب ديواناً، وعلى عزِّ كلمة لله عُنواناً، وللجهاد مُديماً، ولنعمة الله بالشكر مُستديماً، ولرسوم العلم والعمل مُقيماً، وللعدل والإحسان صراطاً مستقيماً، وبخصوص هذه الجزيرة الأندلسية التي جعلها ميدان أمانيه - من رضى الله - وآمالِه، وأسلف فيها ما أسلفه من أعماله، وسمح لها بنفسه وولده وماله، جزاه الله جزاء الخلفاء الصالحين والأئمة المجاهدين من أمثاله، وأبقى بركته في ولده وآله. فلو لم يدعُ إلى السرور بما سنَّاهُ الله لكم إلا هذه الوسيلة التي تسلَّم لها الوسائل، وتقوم على فضلها البراهين والدلائل، لكفت وأبَرَّت ووفت، وسحت بركتها وَوَكفت، فالفرند من النصل، والفرع من الأصل، والحب يُتَوارث كما ورد به الحديث والخبر، وشهد به الحسُّ وهو الشاهد المعتبر، وإنا لنرجو أن تُرضوه باقتفاء سَنَن جهاده في لحده، وتتمموا مقاصده في سبيل الله من بعده، فأنتم سلالةُ مجده ومنقبةُ حَمده. ورأينا أن تلك المراجعة دون الكفايَة، وقاصرة عما يجب من المبرة والحفاية، فخاطبناكم بهذا الكتاب نؤكد سرورنا بما ألبسكم الله من تلك الحلل، ونسأل لكم تمام القصد وبلوغ الأمل. فنحن الآن نبدي في هنائكم ونعيد، ونسهب القول وأين يقع مما نريد، ونروم أن يفي الكتاب بما ينطوي عليه لكم وهو المرام البعيد، وإذا كانت السَّرائر يعلمها الشاهد الرقيب، ويرتّب عليها المجازاة فهو المجازي المثيب، فحسبنا أن نكل خَفِيَّهَا إليه، وتدينه منها بما لا يخفى عليه، فالله عز وجل يهنيكم ما أولاكم من منحةٍ حافلة، وصنيعة في حُلل الكمال رافلة، ويسعد بها الأقطار، كما مَهَّد بها الأوطان ويسر الأوطار، ويجعلها في العقب بعد طول المَدَا باقية، ويُلْبِسُها عصمةً منه واقية، حتى لا يعرف شملها بعد الانتظام انتثاراً، ولا طِرْف سعدها من بعد الإحضار عثاراً، ويجعلها لنجوم عزكم مَدَاراً، ولدعوة ملككم داراً وقراراً، وعيَّنا في هذا الغرض، والقيام بواجبه الملتزم المفترض، مَن وجدنا أن ينوب عنا فيه أحمَد المناب، ويُمهِّد أفسح الجناب، ويشرح ما لا تفي به مقاصد الكتاب، وهم فلان وفلان وفلان، وفضلكم كفيل بالإصغاء لما يلقونه، والقبول على ما يؤدونه، والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام، في كذا..