واستوزر من الأحداث محمد بن علي بن مسعود عَصَبِية من التيس الموروي لصيده في مرمى لَبَّيْهِ، وضربه على الرفق المشيعة في مرضاته، فقام منه على رأسه، مجنون أحول العين وحشي النظرة، يُظَنُّ به الغضب في حال الرضا، يهيج به المرار فيمكث زماناً خلف كَلَّةِ مَرْقَدِه، يُدْخَل إليه وعاء الحاجتين خوفاً من إصحاره إلى فضاء منزله، وتوحشه من أهله وولده إلى أَنْ تَضْعُفَ ثورة المِرّة فيخف أمره قد باين زوجه مع انسحاب رواق الشبيبة، وتوفر داعية الغبطة لحلف جرَّه الوسواس السوداوي، فنستدفع بالله شر بلائِه. فاستعان منه برأي الفضل بن سهل ويحيى بن خالد وأمثالهما، تدرك الله رمق الإسلام بلطفه. وأقر كاتب الحائن لانحطاطه في هواه ومناسبته المجلس الدنئ حلف الخمول وملعب الأوغاد، معززة بخطابة المنبر يخرج إليها من خلوة الاستعداد، ويراعه دامٍ من النعَم المعصومة برواق الإسلام، شَعِث لجوس خلال الديار وانتهاب الأموال، قد أعمل في سبيل الشمات التأنق السخيف والسجع الضعيف، ويردد الإذن فيما يجر تحكم الشر وتمهيد سبيل الظلم أئمتكم شفعاؤكم.
وقدم للقضاء شيخنا القاضي أبا البركات الممتحن بالدنيا على الكَبْرة والغنى، لطف الله به ونظر إليه بعين رحمته.
وفَرَّ يوم الكائنة الأمير عم الحائن وسميّه إسماعيل ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، المتصل الثقاف مدة أيام أخيه في خفارة الأجل، وفراشه نطع، وظلّه حسام صلت يهم به في اليوم مرات لحراسته إلى أن ملك، فصرف إلى شلوبانيَه بإشارتي مباحاً له التصرف خارجها، مُبَوَّأَ منزلِ السلطان مسوِّغاً الجَمَّ من مستخلصها، فَصَلُحَتْ حاله، وعَقَد السلطان بزيجة معه الصِهْر على بنته. فلما أزفت الآزفة وتصيَّر لأخيه الأمر استقدمه في يوم أغرَّ مُحَجَّلٍ برزت فيه أم السلطان بمن لَفّ لفَّها من حريمهم وأذيالهم بما لا فوقه من الزينة: مطايا فارِهَة، وحَكَمَاتٍ مُثْقَلة، وولايا مُذَهَّبَة، وقباباً مُدَبَّجَة، وأُنزل بداري الرخامية الكائنة بزقاق الرؤساء من المدينة.
وقد روسل السلطان زوج البنت في طريق انصرافه عن الأندلس مظنة إذعانه في حل عقدة النكاح، فتماسك ومَطل الرسول إلى أن تجاوزنا حدود إيالتهم الفاسقة، وتوفرت داعية المسرة من الدايل على بَتِّ عصمة أخيه والعَقْد عليها قصد النكاية والشَّمَات، إذ كانت شَهْوَةَ قُبلةٍ فاترة فَعَسُر ذلك لمكان العَقْدِ وقرب العهد ودُنُوِّ الدار وإمكان النفقة. وانتُدِبَ قاضيهم الشيخْ المتراخي الدين والفَك، المنحل العَصَب والعقيدة المُغرِق في العمومية، المشهور بالرشوة، الغريب الاسم والولاية، وشيوخُهم؛ فلفقوا من خيوط العناكب شُبهاتٍ تقلدوا بها حل العَقد الموثق، ديدَنَهم في معارضة صلب الملة، بالآراء الخبيثة بتحكم الوقاح منهم في الحكم الذي نزل به شديد القُوى، على الذي لا ينطق عن الهوى، بحسب شَهوَةِ تحكُّمه في عزل أمه إيثاراً للعاجل واسترابةً بالوعيد، ففسخوا النكاح، وأحلُّوا محرم البُضْع للدَّايل وقد تأذن الله بفسخه وأجرى دمه نَقْداً قبل دَفْعِ نَقْدِه سبحانه حكَم الحكّام وقَاهِر الظُّلام، ومن يلعن الله فلن تجدَ له نصيراً. وأُدْرِكَ فاراً بأحواز مالقة فتقبض عليه وأُزعج في البحر إلى سبتة مظلِّلاً بصدَقَةِ كان يُفْشِيهَا، من رجل مُرَزَّأ قد سَمَا مزاجُه لمطاولة الاعتقال، دمت بعيد من الشر، ملازم لِكسْرِ البيت، ظاهر المُرُوَّة والحشمة، أنيق الفُرُش والآنية، فائق الطعام، من أهل النبل على عدم الحنكة. فاستقر بالباب السلطاني خِدْنَ عافية، ومجتنباً فضول القول والعمل كان الله له.