وأظَلَّتْ ليلةُ سبع وعشرين، إحدى مواسم شالة المختصة باستجلاب الأمم، وتخييم الخيم، واحتفال الأسواق، ورفع المغارم، والوليمة لأهل الخير وأولي الهيئات بالضريح، فاحتفل معتاد الإطعام، وفُرِّقَتْ غَلاَصِمُ البَهْم، وأُهِيلَت قناقش السَّمن، واستُدْعِيَتْ أصناف الحلواء، واستُكثر من الوقود، واستُدْعِيَ إلى الإيوانِ لِصْقَهَا المعدّ لذلك المغنّون، واستُحْضِر القاضي والعدول والخواص والأعيان والأمناء ...
ببقيةِ جَمَّتُها من الغد في سبيل الصَّدقة، وأَنْشَد المُسْمِعُ ليلتئذ من نظمي هذه القصيدة:
إذا فاتني ظلُّ الحِمَى ونعيمُهُ ... كفاني وحسبي أن يُهَبَّ نسيمُهُ
ويقنعني أَنِّي به مُتَكيِّفٌ ... فزَمْزَمُهُ دَمعي وجسمي حَطِيمُهُ
يعودُ فؤادي ذِكرُ مَنْ سكنَ الغَضى ... فيُقعِدُهُ فوقَ الغَضى ويَقيمُهُ
وما هاجَني بالغَوْرِ قدٌ مٌرَنَّحٌ ... ولا شاقَني مِن وَحشِ وَجْرَةَ ريمُهُ
ولا سَهِرَتْ عيني لِبَرْقِ ثَنِيَّةٍ ... مِنَ الثَّغرِ يبدو مَوْهِناً فيشيمُهُ
بَراني شَوقٌ للنَّبيِّ محمدٍ ... يسوم فؤادي بَرْحُهُ ما يَسُومُهُ
ألا يا رسولَ الله ناداكَ ضارِعٌ ... على البُعدِ محفوظُ الوِدادِ سليمُهُ
مَشُوقٌ إذا ما الليلُ مدَّ رِوَاقَهُ ... تَهِمُّ به تحتَ الظَّلامِ هُمُومُهُ
إذا ما حديثٌ عنكَ جاءَتْ به الصَّبا ... شجاهُ مِنَ الشَّوقِ الحَثيثِ قَديمُهُ
وتُقْرِبُه الآمالُ مِنكَ تَعَلُّلاً ... ويُبْعِدُهُ المِقدارُ عَمَّا يَرُومُهُ
يراهُ الأسى إلاَّ الرَّكُون إلى عَسَى ... صحيحُ الهوى مُضْنا الفؤادِ سَقِيمُهُ
تَدَارَكْهُ يا غَوثَ العِبادِ بِرَحْمَةٍ ... يُقَضِّيهِ دَيْنَ العَفوِ منها غَرِيمُهُ
أيَجْهَرُ بالشكوى وأنتَ سَميعُهُ ... أَيُعْلِنُ بالنجوى وأنتَ عَليمُهُ
أَتُعْوِزْهُ السُّقيا وأنتَ غِياثُهُ ... فأُنْقِذَ عانِيهِ وأَثْرى عَديمُهُ
لكَ الخُلُق الأرضَى الذي بانَ فضلُهُ ... ومجدك في الذِّكرِ العظيمِ عظيمُهُ
لك المُعجِزات الغُرُّ يَبْهَرٌ نورُها ... إذا ارْبَدَّ مِن جُنْحِ الضِّلاَلِ بَهِيمُهُ
وحَسْبُكَ مِن جِذْعٍ تَكَلَّمَ مُفْصِحاً ... وقد دَمِيَتْ يومَ الفُراقِ كُلُومُهُ
وبَدْرٌ بَدا قِسْمَيْنِ فالقِسمُ ثابِتٌ ... مُقيمٌ وقد أهوى إليكَ قَسيمُهُ
وذَلَّ لِمَسْراكَ البُراقُ كَرَامةً ... وساعَدَ مِنهُ وَخْدُهُ وَرَسيمُهُ
ومِن فوقِ أطباقِ السماءِ بكَ اقتدى ... خليلُ الذي أوْطاكَهًا وكَليمُهُ
ومُعجِزةُ القُرآنِ أجلَى فَإنَّهُ ... عجائِبُهُ لا تَنْقَضي وعُلُومُهُ
تميَّزَت قبل القِيلِ بالشِّيَمِ العُلى ... وآدمُ لم يَدْرِ الحياةَ أديمُهُ
إذ السكونُ لم تَفْتُقْ يدُ الأمرِ رَتْقَهُ ... ولم تَمْنَزِج أرواحُهُ وجُسُومُهُ
ومِن نورِكَ الوضّاحِ في العالَمِ اهتدى ... غداةً اقتَدى صِدِّيقُهُ وحَكيمُهُ
عليكَ سلامُ الله يا خبرَ مُرسَل ... بهِ بانَ مِنْ نَهْجِ الرَّشادِ قَويمُهُ
ويا لَيتَ أني في ضريحِكَ مُلْحَدش ... يَرِفُّ بتكرارِ العِهادِ جَميمُهُ
يُجاوِرُ عَظْمِي تُرْبَكَ العَطِرَ الشَّذا ... فَيَعْطِرُ مِن ماءِ الحياةِ رَميمُهُ
تَقَضَّى كريمُ العُمْرِ في غيرِ طائِلٍ ... كما بدَّدَ الوَفْرَ الغزير كَريمُهُ
فآهٍ على نفسي أُردِّدُها أسىً ... لِوَخْطٍ أضاءَتْ ليلَ فَوْدِي نُجُومُهُ
وإن كانَ نَبتُ الأرضِ مُرْتَهنَ الذَّوا ... فليسَ سَواءَ غَضُّهُ وهَشيمُهُ
جفاني دهري واستهانَ بِحُرمَتي ... فدَهري مَمْقوتُ الذِّمامِ ذَميمُهُ
وفَرَّقَ ما بيني وبينَ أحبَّتي ... فأَنكادُهُ تنتابُني وغُمومُهُ
فلو كان يُجدي العَتْبُ أبْلَغْت عَتْبَهُ ... ولو كان يُغني اللَّومَ كُنتُ ألومُهُ
ولو لَحِظَتْني مِنْ جَنابِكَ لحظةٌ ... لما رامَني عندَ البياتِ نُجومُهُ
فآوِ طريداً عائِذاً أنتَ كَهْفُهُ ... وِكْرُكَ بالمَدْحِ الصَّريحِ رَقيمُهُ