وخاطبت الوالي بمكناسة أبا محمد عبد الله بن محمد من الجلة أُولي المروءة والحشمة مع شخص من أصحابنا أولي التراتيب الغريبة:
عبد الإلهِ بنَ عُثمان ابقَ في دَعَةٍ ... عِنايةُ اللهِ تَحميها وتَكفيها
لو لم يكنْ لِبلادِ الغَربِ مَحْمَدَةٌ ... إلا بكونِكَ يا قُطْبَ العُلى فيها
لكَ الحقوقُ التي مهما اعترفتُ بها ... لا يستطيعُ لِساني أن يُوَفِّيها
لا زلتَ تختالُ للنعماِ في حُلَلٍ ... عليك لله يُبديها ويُخفيها
كَرُمْتَ ذاتاً ومَجْداً واشتهرتَ سَنىً ... فزادك الله تِّنْوِيهاً وترفيها
أبقاكم الله، الواصلُ بهذه إلى رياستكم، طبقة الدنيا، وواحدها من غير ثُنيا، الشهير عند كل غني وصعلوك، المجترئ على بيوت الأشراف ودسوت الملوك، توجه إلى الباب السلطاني لتقرير وسيلته والتماس فضيلته، وله من رَعْي السيادة الخطيبية محل، وفي ندى برها ظَعن وحِلْ، فأردت إطراف مجلسكم بلَيْلَتِه ليكون ممن يرفع من صيته، وأنا على ما تعلمون من شكر يطيل ويطيب، وعلى المحافل منه خطيب وابن خطيب والسلام.
وخاطبت قاضي الجماعة الشيخ الفقيه جملة الوقار وكبير الطلبة وقد نالته مشقة جرَّها غلطُ الخدام السُّوءِ واشتراك الأسماء أعتبه عندها السلطان وخلع عليه وأشاد بقدره بما نصه:
تعرفتُ أمراً ساءني ثم سرَّني ... وفي صحة الأيام لا بدَّ من مَرَضْ
تعمَّدَكَ المحبوبُ بالذَّاتِ بعدما ... جرى ضدُّه واللهِ يكفيه بالعرض
في مثلها أبقى الله سيدي يُحْمَدُ الاختصار، وتقصر الأنصار، وتطرق الأبصار، إذ لم يتعين ظالم، ولم يتبين يَقِظ وحالم، إنما هي هَدية أجر، وحقيقة وصل عَقبت مَجَاز هجر، وجرح جُبار، وأمر ليس به اعتبار، ووقيعة لم يكن فيها إلا غبار، وعَثْرة القدم لا تنكر، والله سبحانه يُحْمَد في كل حال ويُشْكَر، وإذا كان اعتقاد الخلافة لم يَشُبْهُ شائب، وحسن الولاية لم يعبه عائب، والمرعى دائب، والجاني تائب، فما هو إلا الدهر الحسود، لمن يسود، خَمَشَ بيد ثم سترها، ورمى عن قَوْس ما أصلحها - والحمد لله - ولا أَوْتَرَهَا، إنام باءَ بِشَيْنِه، وجنى من مزيد العناية سخنة عَيْنِه، ولا اعتراض على قَدَر، أعقب بحط مُبْتَدَر، وَوِرْد نغصَ بكدر، ثم أَنَّسَ بأكرم صَدَر، وحسبنا أن نحمد الدفاع من الله والذَّب، ولا نقول مع الكَظْم إلا ما يُرضي الرب، وإذا تسابق أولياء سيدي في مضمار، وحماية ذِمار، واستباق إلى بِرٍّ وابتدار، بجُهدِ واقتدار، فأنا لا فَخْرَ متناول القَصَبة، وصاحب الدين من بين العَصَبة، لِمَا بلوت من برٍّ أوْجبه الحسب، والفضل الموروث والمكتسب، ونصح وَضَحَ منه المّذْهب، وتنفيقٍ، راق منه الرداء المُذهب، هذا مُجْمل وبيانُه إلى وقت الحاجة مؤخر، ونبذة شره لتعجيلها يراع مسخر، والله يعلم ما انطوى عليه لسيدي من إيجاب الحق، والسير من إجلاله على أوضح الطرق، والسلام..
فراجعني أعزه الله وأبقاه بما نصه:
وأيْمُ الله إبرازاً لأَيْمِ ... لقد جلَّى كتابُك كلَّ غَمٍّ
وساهم في الحوادث مَنْ رَمَتْهُ ... ففاز من الوفاء بخيرِ سهم
يا سيدي أمدّ الله في أنوار تلكم الطريقة المُثلى وبارك، وجزاها جزاء من ساهم على الحقيقة في الجُلَّى وشارك؛ وصل كتابكم الصادق الصفاء، الصادر عمن لم يرض من الوفاء باللَّفَاء فَبَأَي من صدع الأيام ورَأَبْ، وَنَأَى في دفع الأوهام وقرب، وهو الدهر أبقاكم الله لا تُثَنَّي فَلَتَاتُه، ولا يُبنى على عَقْدِ صَفَائه، يوم لِوَى ولائه، إلا كَدَّرَه بالنقص مُفْتَاتُه. هذا ولو حاسَبَ الإنسان نفسه لاستحقَرَ ما استعظم، وعلم أن ما لا يرى مما وقَى الله أعظم، فأناةً، ومن جُنِيَ عليه فليستغفر الله فَغَفْراً اللهم غَفْرَاً، وحمداً على السراء والضراء وشكراً، وسيدي أعزه الله المشكورةُ أياديه، المبرورةُ غاياته الجميلة ومباديه، وهو سبحانه يعين على واجبكم ويشكر في حسن الإخاء جميل مذاهبكم، والسلام يخصكم، ورحمة الله تعالى وبركاته. وكتب محمد بن أحمد الفشتالي أَلْهَمَهُ الله تعالى رشده: وخاطبت بعض الفضلاء بقولي مما يظهر من الجملة غرضه.
تعرفتُ قُرْبَ الدار ممن أحبه ... فكنتُ أَجِدُّ السير لولا ضروره