اتصل بي أيها الهمام، وبدرُ المجد الذي لا يفارقه التَّمام، ما جنته على عليائك الأيام، واقتنصه مُحلَق الردى بعد أن طال الحيام، وما استأثر به الحِمَام، فلم يغن الدفاع ولا نفع الذِّمام، من وفاة صِنْوِكَ الكريمِ الصفات، وهَلاَكِ وُسْطَى الأسلاك، وبدرِ الأحلاك، ومجبر الأملاك، وذهاب السَّمْحِ الوهاب، وأنا لديغ صِلِّ الفراق، الذي لا يضيق بألف راق، وجريح سهم البَيْن، ومجاري العيون الجارية بدمع العين، لفقد أنيس سَهَّل عليَّ مضَضَ النكبة، ونَحَّى ليث الخطب عن فريستي بعد صدق الوثبة، وأنَّسني في الاغتراب، وصحبني إلى منقطع التراب، وكَفَل أصاغري خير الكفالة، وعاملني من حسن العشرة بما سجَّل عقد الوكالة، وانتزعه الدهر من يدي حيث لا أهل ولا وطن، والاغتراب قد ألقى بِعَطَن، وذات اليد يعلم حالها مَنْ يعلم ما ظهر وما بطن ورأيت من تطارح الأصاغر على شِلْوه الغريب، النازح عن النسيب والقريب، ما حملني على أن جعلت البيت له ضريحاً، ومدفناً صريحاً، لأخدع من يرى أنه لم يزل مقيماً لديه، وأنَّ ظلَّ شفقته منسحبٌ عليه، فأعيا مصابي عند ذلك الشرح، وأعظم الظمأ البرح، ونكأ القرح القرح، إذ كان ركناً قد بنته لي يد معرفتك، ومتصفاً في البر بي والرَّعي لصاغيتي بكريم صفتك، فوالهفاً عليه من حسام، وعزِّ سام، وأيادي جسام وشهرة بين بني حامٍ وسام، أي جمال خَلْق، ووجه للقاصد طَلْق، وشيم تطمح للمعالي بحق؟ وأي عضد لك يا سيدي الأعلى لا يَهِنُ إذا سطا، ولا يقهقر إذا خطا، يوجبُ لك على تحلية بالشَّيْبة، ما توجبه البُنُوَّة من الهيبة، ويردّ ضيفك آمناً من الخيبة، ويسد ثغرك عند الغيبة - وكما قال عليه السلام للأنصار:) أنتم الكرش والعيبة (- ذهبت إلى الجزع فرأيت مصابه أكبر، ودعوت بالصبر فولى وأدبر، واستنجدت الدمع فنضب، واستصرخت الرجاء فأنكر ما روى واقتضب، وبأي حزن يُلقى فقد عبد العزيز، العزيز على المجد فقده، أو يُطْفَأ لاعجه وقد عَظُم وَقْدُه، اللهم لو بكى بِنَدَى أياديه، أو بغمام غواديه، أو بِعُبَاب واديه، وهي الأيامُ أي شامخ لم تَهُدَّه، أو جديد لم تُبْلِهِ وإن طالت المُدَّة؟ فَرَّقَتْ بين التيجان والمفارق، والخدود والنمارق، والطُّلَى والعقود، والكأسِ وابنه العنقود، فما التعلل بِالْفَان، وإنما هي إغفاءة أجفان، والتشبث بالحبائل، وإنما هي ظل زائل؟ والصبر على المصائب، ووقوع سهمها الصائب، أولى ما اعتمد طِلاباً، ورجع إليه طوعاً أو غِلاباً، فأنا يا سيدي أقيم رسم التعزية، وإن بوّئت بمضاعف المرزية، ولا عَتْبَ على القَدَر، في الوِردِ من الأمر والصَّدَر، ولولا أن هذا الواقع مما لا يجدي فيه الخُلصان، ولا يغني فيه اليراع ولا الخِرْصَان، لأتى جُهْدَه من أقرضتموه معروفاً، أو كان بالتشبع إلى تلك الهضبة معروفاً، لكنها سوقٌ لا ينفق فيها إلا سلعة التسليم، للحكيم العليم، وطَيّ الجوانح على المضض الأليم، ولعمري لقد خلدت لهذا الفقيه، وإن طمس الحِمَام محاسنه الوضاحة، لما كَبَس منه الساحة، صُحُفاً مُنْشَرَة، وثغوراً بالحمد مُوشَرة، يَفْخر بها بَنُوه، ويستكثر منها مكتسبو الحمد ومُقْتَنُوه، وأنتم عمادُ الفازه، وعلم المفازة، وقطب المَدَار، وعامرُ الدار، وأسد الأَجَمة، وبطل الكتيبة المُلْجمة، وكافل البيت، والستر على الحي والميت، ومثلك لا يُهْدَى إلى نهجٍ لاحب، ولا تُرشد أنوارُه بنار الحُباحِب، ولا يُنَبَّهُ على سُنَن نبي كريم أو صاحب؛ قدرُك أعلى، وفضلك أجلى، وأنت صدر الزمان بلا مدافع، وخير مُعْلٍ لأعلام الفضل ورافع، وأنا وإن أخرت فرض بيعتك لما خَصَّني من المصاب، ونالني من الأوصاب، ونزل بي من جَوْر الزمان الغَصَّاب، ممن يقبل عُذْرَهُ الكرم ويسعه الحرم المحترم، والله سبحانه الكفيل لسيدي وعمادي ببقاء يكفل به الأبناء وأبناء الأبناء، ويعلي لقومه رتب العز سامية البناء، حتى لا يوحش مكان فقيد مع وُجوده ولا يحس بعطّ زمانه مع جوده، ويقر عينه في ولده وولد ولده. ويجعل أيدي مُنَاويه تحت يده والسلام.
وخاطبت صاحب القصبة بمراكش على هذا العهد مسعود بن يوسف بن فتح الله بما نصه:
أمسعود بن يوسف طيرُ قلبي ... على شجر الكرام له وقوعُ
وفي علياك لي كنز اعتقادٍ ... على أمثاله تطوي الضلوع