وهذا ظاهر يبطل قولكم: إن "الأرشد" تابع للموصوف به، بل الآخر بالعكس، وهو أن الأرشد ما وصف به تابع له وتخصص به، قلنا: الجواب عن ذلك أن أهل العربية الذي اعتمدتم عليه في الاستشكال وأوردتم لأجله السؤال يهدم دعواكم، وينصب في المقام سواكم.
ألا ترى أنهم يقولون: إذا كان أفعل التفضيل ب "الألف واللام" لزم مطابقته لما هو له، أي أفعل التفضيل يطابق الموصوف به، فيكون أفعل التفضيل تابعا للموصوف به لا بالعكس. وهذا ظاهر واضح لا يخفى على من هو عالم يعطي التأمل حقه.
وأيضا إذا كان الموصوف موضوعا للمذكر والمؤنث، ووصف بالمذكر فقط، فقد يقال: لا تحصل المطابقة المعتبرة في المقام، وأيضا لو صح ذلك لجاز أن يوصف الشامل للمذكر والمؤنث، فيصح أن يقول: ولدي "الأرشد"، ويصح أن يقول: ولدي "الرشدى"، ويصح أن يقول على الطائفة "الأفضل"، والطائفة "الفضلى"، وعلى الفريق "الأفضل"، وعلى الفريق "الفضلى"، وهلم جرا.
وصريح كلام أهل العربية يمنع ذلك، وأنه تتعين المطابقة، والقبيلة - مثلا - "الفضلى" والفريق "الأفضل"، لأن لفظ "الطائفة" ونحوها مؤنث، ولفظ الفريق مذكر، وإن كان كلا منهما يشمل المذكر والمؤنث في المعنى والدلالة.
ولذلك لفظ " الولد" مذكر فتعين له لفظ "الأرشد" لأنه مذكر، وإن كان يدخل في المعنى كلا منهما - المذكر والمؤنث، وكذلك إذا قال: "القبيلة" تعين - مثلا - أن يقول " العظمى"، ولا يقال: "الأعظم"، لأن الأعظم، لأن لفظ "الأعظم" مذكر، و"العظمى" مؤنث، فتعين المؤنث للمطابقة، ولا يمنع الفقهاء من إدخال الذكر والأنثى في مثل هذه، لأن معناها شامل لهما، وهذا يقوي أن أهل العربية مرادهم الألفاظ دون المعاني الشاملة، لأنهم ذكروا في المطابقة الإفراد والتثنية والجمع ومنها: إذا وصى لأقارب زيد، دخل الأبوان - كما قد صرح به الأصحاب -.
ومنها: إذا قال: أنت أزنى الناس، أو أزنى من فلان، كان صريحا في القذف، وإن قال: أنت أزنى مني كان قذفا، ولو قيل له: يازان، فقال: أنت أزنى مني، كان قاذفا. وحكى الأسنوي أنه لا يكون قاذفا، والله أعلم.
[القاعدة الثالثة والعشرون]
قاعدة: لفظ "الأكثر" - ب "الثاء" المثلثة - أفعل تفضيل في أصل الوضع إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا ادعى عليه فقال: لفلان علي أكثر من مالك، وقال: أردت التهزئ، لم يقبل منه ويلزمه حق لهما.
ولنا وجه لا يلزمه شيء، والصحيح الأول، ويكون حق من قال له على أكثر، "أكثر" وسواء كان نفعا أو بقاء، ونحوه كما سيأتي.
ومنها: إذا قال: له علي أكثرمن مال فلان، لزمه التفسير، فإن فسره بأكثر قدرا قبل، وإن قل، وإن فسره بأكثر بقاء أو نفعا قبل منه مع يمينه، وسواء علم مال فلان أو جهله، أو ذكر قدره أو لم يذكره. جزم به الأصحاب في كتبهم، والله أعلم.
ومنها: إذا قال له: علي دراهم كثيرة، قبل تفسيرها بثلاثة دراهم فما فوقها، جزم به الأصحاب.
وإن قال: مال كثير، قبل تفسيره بالقليل والكثير.
ومنها: إذا حلف لا يصلي صلاة كثيرة، حنث بثلاث ركعات، والصيام الكثير ثلاثة أيام ومنها: إذا قال: أنت طالق أكثر الطلاق، طلقت ثلاثا، كما قد صرح به الأصحاب في كتبهم فانظروه.
ومنها: إذا أوصى له بأكثر ماله، فهو فوق النصف بأي شيء كان.
ومنها: الأكثر عددا أفضل من الأحسن في الأضاحي، مثاله: إذا كانت شاة بعشرة، وخمسة بعشرة، فالخمسة أفضل، ذكره في "تجريد العناية"، وذكره أنه نص أحمد، وأطلق في "القواعد الرجبية" في المسألة روايتين.
ومنها: أن تعدد الركعات في الصلاة أفضل من طول القنوت، جزم به بعض الأصحاب، وأطلق بعضهم في المسألة روايتين.
[القاعدة الرابعة والعشرون]
قاعدة: المصدر المنسبك نحو يعجبني صنعك إن كان بمعنى الماضي أو الحال، فينحل إلى "ما" و "الفعل" نحو ما صنعت، أو تصنع، وإن كان بمعنى الاستقبال فينحل إلى "أن" و"الفعل"، وكذا "أن" المشددة مع "الفعل". وذكر في "الارتشاف" أن النحاة فرقوا بين "انطلاقك" و "أنك منطلق"، أن المصدر لا دليل فيه على الوقوع.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: