إذا علمت هذا، فمن فروع المسألة: إذا قال لامرأته: أنت طالق ما شئت، فإن كان مراده القدر الذي تشاء فيرجع فيه إلى العدد الذي تشاء، وإن كانت مصدرية طلقت عند مشيئتها له طلقة واحدة.
ومنها: إذا قال: أنت طالق ما شاء الله، فالذي ينبغي هنا الطلاق، ولم أر الأصحاب ذكروها، لكن في كلامهم ما يشبهها، وهي إذا قال: أنت طالق ما لم يشأ الله، تطلق، والله أعلم.
ومنها: إذا كان له عنده وديعة، أو كتاب أو مال، وحلفه خصمه فحلف هكذا، فقال" ما لك عندي وديعة، أو ما لك عندي كتاب، أو مالك عندي مال، لم يحنث ذكره في "المقنع" وغيره، هذا إذا كان مظلوما، وأما الظالم فلا ينفعه تأويله، والله أعلم.
[القاعدة الخامسة عشر]
قاعدة: "من" تكون للمعلوم، و"ما" تكون للمجهول في الغالب منها: إذا قال: بعتك ما في بطن هذه الأمة لم يصح، لأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: بعتك من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح، ذكره الأصحاب.
ومنها: إذا قال: ما زرعت من شعير فكل نصفه، وما زرعت من حنطة فكل ربعه، ولم يصح وعلله بأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: من زرع كذا فله كذا، ومن زرع كذا فله كذا فهل يصح أم لا؟ في المسألة وجهان.
[القاعدة السادسة عشر]
قاعدة: "ما" النافية إذا دخلت عليها "إن" صيرتها إثباتية، تقول في النافية: ما أنت حيوان، وإذا دخلت عليها "إن" تقول إنما أنت حيوان.
إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، حلف كل واحد منهما أيمانا تجمع إثباتا ونفيا، يقول البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، ويحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا.
ومنها: في العتق، إذا قال له: ما أنت حر، لم يعتق بغير خلاف فيه، وإذا قال: إنما أنت حر عتق، وكذا في الطلاق، إذا قال: ما أنت طالق لم تطلق، فإذا قال: إنما أنت طالق طلقت.
ومنها: في القذف، إذا قال: ما زنيت، لم يكن قذفا، إلا أن يكون في خصومة، فهل يكون صريحا أو كناية؟ في المسألة وجهان. وإن قال: ما زنت أمي، فجزم ابن مفلح في "أصوله" أنه صريح في القذف، وإن قال: إنما زنيت، فهو صريح في القذف قد يحد به، والله أعلم بالصواب.
[القاعدة السابعة عشر]
قاعدة: إذا احتمل كون "أل للعهد وكونها لغيره كالعموم، أو الجنس، فإنا نحملها على المعهود، لأنه تقدمه قرينة مرشدة إليه".
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: الطهارة لها معان، وإذا أطلقت إنما تنصرف إلى الطهارة المعهودة وهو الوضوء والغسل، لا إلى غيره، كما قال الشيخ شمس الدين بن أبي عمر: "الطهارة إذا أطلقت إنما تنصرف إلى الموضوع الشرعي، وكذا كل ما له معنى في الشرع واللغة إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي دون غيره، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والاعتكاف ونحوه، وكالبيع، والنكاح، وسائر ما له معان" والله أعلم.
ومنها: إذا وصى له بدابة من دوابه، فالدابة اسم لك ما دب على الأرض، ولكن المعهود أنها إنما تطلق على الخيل والبغال والحمير، فيعطى من الخيل والبغال والحمير، جزم به في "المقنع" وغيره.
ومنها: إذا أوصى له بشاة أو بعير وثور، فالشاة في الحقيقة اسم للذكر والأنثى، والبعير والثور اسم للذكر والأنثى، وفي العهد اسم للشاة الأنثى، والبعير والثور للذكر، فهل يغلب العهد والحقيقة، فالذي جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المقنع" تغليب العهد، واختار الأصحاب تغليب الحقيقة.
ومنها: إذا قال: الطلاق يلزمني، قال ابن رجب: "يراد به طلاق الجنس واستغراق الجنس" كما سيأتي في القاعدة التي بعدها.
ومنها: إذا وصى له بقوس، وله أقواس، فإنه يعطى قوس النشاب، لأنه المعهود، وهو أظهر القسي، جزم به الأصحاب والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يدخل الدار، أو دار فلان فدخلها، فصارت فضاء، أو حماما، أو مسجدا، أو بستانا، أو باعها فلان، حنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع"، وكذا ما لو حلف لا يلبس القميص، فجعل سروالا أو عمامة، ونحو هذا.
ومنها: إذا حلف لا يأكل اللحم، فأكل الشحم، أو الكرش، أوالمخ، أو الكبد، أو الطحال، أو المصران ونحوه لم يحنث، جزم به في "المقنع" و "الوجيز" وأكثر الأصحاب، وكذا لو أكل المرق، جزم به في "الوجيز"، ونقل عن أحمد: "لا يعجبني". قال أبو الخطاب: "هذا على سبيل الورع".